الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد :
فقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذا المستقر فقال لـأبي ذر: أتدري ما مستقرها يا أبا ذر ؟ قلت: لا. قال: مستقرها سجودها تحت العرش. يعني: إذا حاذت العرش سجدت سجوداً يليق بها لا يعلمه إلا الله، هو الذي يعلم كيفيته، ثم يؤذن لها فتستمر حتى تطلع من مطلعها، فإذا جاء آخر الزمان قيل لها: ارجعي من حيث جئت، فترجع فتطلع من مغربها، فالمستقر محاذاتها للعرش، فإذا حاذت العرش في وسط السير سجدت. فتاوى ابن باز بتصرف يسير
فالسجود تحت العرش أمر غيبي لا يعلم كيفيته إلا الله سبحانه وتعالى، وقد أخبر سبحانه وتعالى عن سجود جميع المخلوقات له، فقال عز وجل: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ { الحج:18}
وقال تعالى في سورة الرعد: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ{ الرعد: 40} ولا يعلم أحد عن كيفية هذا السجود ووقته وحقيقته إلا الله سبحانه وتعالى، وهكذا أيضا حديث أبي ذر، لا يختلف عن الآية من قريب أو بعيد، وليس فيه ما يستنكر.
قال الخطابي رحمه الله: لا ينكر أن يكون لها استقرار تحت العرش، من حيث لا ندركه ولا نشاهده ، وإنما هو خبر عن غيب، فلا نكذب به، ولا نكيفه؛ لأن علمنا لا يحيط به. انتهى من أعلام الحديث شرح صحيح البخاري (ص/1893)
كما أن هذا السجود لا يعني التوقف عن الجري، فمن الممكن أنها تسجد، وهي تجري وتدور، وإذا قلنا إنها تستقر فلا يلزم من ذلك طول الاستقرار والسجود حتى يلاحظه الناظرون إليها، ولا يلزم من سجودها تحت العرش أنها تغيب عن أنظار جميع الناس، لأن العرش فوق السماوات والأرض والشمس، فقد ذكر ابن كثير في البداية أن الحديث لا يدل على أنها تصعد إلى فوق السماوات حتى تسجد تحت العرش، بل هي تغرب عن عيننا وهي مستمرة في فلكها الذي هي فيه... فإذا ذهبت فيه حتى تتوسطه فهذا هو محل سجودها، واستئذانها الله في الطلوع من المشرق فيؤذن لها، فإذا كانت الليلة التي يريد الله طلوعها من المغرب يقال لها: ارجعي من حيث جئت. انتهى.
والله أعلم.