الحمد لله، والصلاة، والسلام، على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما تشعر به نوع من الندم، لكنه ليس الندم الكامل المستلزم لترك الذنب، ولذلك لا يثمر ثمرته، ولا يؤتي أكله بل سرعان ما يزول أثره، فتعاود الذنب مجددا، وكذا ما ذكرته عن علم مرتكبي الذنوب بآثارها، وما تستوجبه من العقوبة، ثم هم لا ينتهون، فإن هذا علم غير تام، بل هو علم ناقص لكون القلب لم يتحقق به تمام التحقق، ولو تحقق القلب بتلك المعاني واستشعرها تمام الاستشعار فحضرت فيه صورة العقاب، وتمثل آثار الذنب تمثلاً حقيقياً، لاستوجب ذلك الإقلاع عن الذنب ولا بد، فكلما كمل العلم بأثر الذنب، واستقر في القلب استتبعه الأثر ولا بد، وأما وجود أصل العلم في القلب فقد لا يقوى على مقاومة داعي الهوى، والنفس الأمارة بالسوء، وما يزينه الشيطان من تسويف التوبة والتمنية بمغفرة الله وعفوه ونحو ذلك حتى يكون العلم كاملا تاما، ولو تأملت عبارة أبي حامد لعرفت هذا المعنى، ولم يشكل عليك، فإنه رحمه الله يقول: أما العلم فهو معرفة عظم ضرر الذنوب وكونها حجاباً بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ كُلِّ مَحْبُوبٍ، فَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ مَعْرِفَةً مُحَقَّقَةً بِيَقِينٍ غَالِبٍ عَلَى قَلْبِهِ ثَارَ مِنْ هذه المعرفة تألم للقلب إلخ. فليس المراد مجرد العلم للانكفاف؛ ولكن المراد معرفة محققة بيقين غالب على القلب، وكذا قوله في الندم: فإذا غلب هذا الألم على القلب واستولى انبعث من هذا الألم حالة أخرى تسمى إرادة.... إلخ. انتهى
فما تشعر به من الألم، ووخز الضمير، ليس هو ما يريده أبو حامد، وإنما الندم الحامل على الكف عن الذنب، هو ما استولى على القلب، وغلب عليه، وليس مجرد هذا الألم العابر الذي سرعان ما ينقضي ويزول، ولبيان كيفية تحصيل الندم على الذنوب راجع فتوانا: 134518.
والله أعلم.