الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية ننبه على أن الفتوى التي أشارت إليها السائلة (396403)، نصت على أن صورة عمل الطاعة لمحض الرياء دون التفات لنية التقرب إلى الله تعالى: من المسائل المشكلة، وذكرت أن بعض أهل العلم جعلوا ذلك من الكفر الأكبر، ومع ذلك أشارت إلى ترجيح القول الآخر وأنه من الكفر الأصغر. ونقلت الفتوى ذلك عن الغزالي وابن رجب وابن حجر الهيتمي وغيرهم، وأن ذلك: (ظاهر كلام كثير من أهل العلم، ولعله الأقرب). كما أن فيها حكاة أبي البقاء الكفوي في كتاب الكليات: الإجماع على أن العمل لغير الله معصية من غير كفر.
وهنا نشير إلى مسألة مهمة ومفيدة، وهي الفرق بين ترك المعصية طلبا لمدح الناس أو لمنزلة في قلوبهم، بإيهامهم أنه تركها مراقبة لله ومخافة منه سبحانه، فهذا هو المرائي. وبين من يتركها حياء من الناس وخوفا من أذاهم، فهذا متستر، لا يعاقب على تركه؛ بل قد يثاب إذا كان له فيه غرض يحبه الله، وراجعي في ذلك الفتوى: 147019.
ولذلك جاء في كتاب (تسهيل العقيدة الإسلامية) الذي نقلنا منه في الفتوى السابقة: هناك بعض الصور أدخلها بعض أهل العلم في الرياء، والأقرب أنها لا تدخل فيه ومنها: ترك المعصية خوفاً من ذم الناس، فإن الأقرب أن هذا ليس من الرياء؛ لأن المسلم مأمور بالستر على نفسه، ومأمور بأن يبتعد عما يسيء إلى عرضه، ومأمور بإبعاد قالة السوء عن نفسه، وترك المعصية وإخفاؤها خوفاً من الذم داخل في هذا. وقد ذكر الغزالي في الإحياء 3/336-339: ثمانية أعذار يجوز أو يندب من أجلها إخفاء المعصية، ثم قال: "ومهما قصد بستر المعصية أن يخيل إلى الناس أنه ورع كان مرائياً"، وبالجملة فإن العبرة بالنية والقصد. اهـ.
وإذا اتضح هذا ظهر الفرق بين من تترك نشر صورها؛ طلبًا لرضا أحد من الناس، أو خوفًا من ذمه، فهذا نوع من التستر، وبين من تترك ذلك إيهامًا للورع والخوف من الله، فهذا من المراءاة المذمومة، وأما من يصلي ليرضي أباه، دون نية رضا الله، فهذا لا يحتاج إلى مثل هذا التفصيل، وهو - بلا ريب - داخل في مسألة فعل الطاعة لمحض الرياء.
والله أعلم.