الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن المعلوم أنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى، فلا يدري أحد ما يكون في غد إلا الله، فكيف بالمستقبل البعيد!؟ قال تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34]، وقال صلى الله عليه وسلم: مفاتح الغيب خمس، لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما في غد إلا الله ... رواه البخاري.
وادّعاء معرفة الغيب، أو التنبؤ بأحداث المستقبل، من الكهانة المحرمة.
وإذا تقرر هذا؛ فلا ريب في أن توزيع أوراق مكتوب فيها مستقبل من يقرأها، أمر منكر محرم؛ حتى ولو كان على سبيل التخمين، والافتراض، وراجعي في ذلك الفتويين: 57098، 39659.
ومن المعلوم أن إنكار المنكر، يدور حكمه بين الوجوب والاستحباب، ومن ثم؛ فرفض أخذ هذه الورقة إنكارًا لما فيها، مما يشكر عليه فاعله، وليس هذا من التشدد في شيء!
وأما طريقة الرفض، وما يصاحبه من كلام، فهذا يدخل في آداب المحتسب، والتي من جملتها: الرفق في الاحتساب، ووضعه في موضعه، والموازنة بين المصالح والمفاسد، والصبر، واحتمال الأذى، وراجعي في تفصيل ذلك الفتوى: 17092.
فإن تم رفض هذه الورقة، وصاحب ذلك بذل للنصح، وبيان للحق بأسلوب مناسب يراعي الحال؛ فقد أدى بذلك المحتسب ما عليه، من حيث المضمون، ومن حيث الأسلوب.
وأما ما فعلته الوالدة، فلم تصب فيه، إن كان بسبب عدم إنكارها لمثل هذه الورقة، وهي حينئذ تحتاج إلى من يبين لها الحكم برفق، ولين، ومراعاة لمقام الوالدة.
وأما إن كان إنكارها يقتصر على أسلوب رد الورقة، ومعاملة العامل، مع إنكارها لمضمون الورقة، فهذا بالفعل مما ينبغي مراعاته، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ولهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف، ونهيك عن المنكر غير منكر. اهـ. وقال زروق المالكي في الجامع لجمل من الفوائد والمنافع: ينبغي أن يكون أمرك بالمعروف بمعروف، أو نهيك عن منكر لا يؤدي إلى منكر، بل تكن في أمرك كعبد يأمر ابن سيده، يقيم عليه الحق، ويعتقد له الفضل، ويعامله بالرفق. اهـ.
فإن فعلت السائلة ذلك، وأخذت الورقة، مع إنكار محتواها، وبيان الحق في مسألة التنبؤ بالمستقبل، فلا نرى عليها حرجًا في ذلك؛ لأن المقصود - وهو النهي عن المنكر، وبذل النصح -، قد حصل.
وأما أخذ الورقة مع السكوت عما فيها، فلا نراه يسعها، وإن غضبت لذلك الوالدة؛ لما فيه من إقرار المنكر؛ لأن أخذها مع السكوت، يفهم منه الرضا بها، أو عدم إنكارها، بخلاف عدم أخذها مع إنكار القلب لها، فيسع المرء فعل ذلك، إذا عجز عن الإنكار باللسان.
والله أعلم.