الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى أن التوكيل في البيع أو في الإجارة، إنما يحمل على ثمن المثل، أو أجرة المثل، وليس للوكيل أن يبيع أو يؤجر دون ذلك؛ لخروجه عن حدود الوكالة عرفًا، وقد عقد العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام فصلًا في تنزيل دلالة العادات، وقرائن الأحوال منزلة صريح الأقوال في تخصيص العموم، وتقييد المطلق، وغيرهما، قال: وله أمثلة: أحدها: التوكيل في البيع المطلق، فإنه يتقيد بثمن المثل .. تنزيلًا للغلبة منزلة صريح اللفظ، كأنه قال للوكيل: بع هذا بثمن مثله .. ويدل على هذا أن الرجل إذا قال لوكيله: بع داري هذه، فباعها بجوزة، فعند أهل العرف أن هذا غير مراد، ولا داخل تحت لفظه. وكذلك لو وكله في بيع جارية تساوي ألفًا، فباعها بتمرة. فإن العقلاء يقطعون بأن ذلك غير مندرج في لفظه؛ لاطراد العرف بخلافه...
المثال الثالث: إذا وكّله في إجارة داره سنة، وأجرة مثلها ألف، فأجّرها بنصف درهم؛ فإن الإجارة لا تصح؛ لما ذكرناه في البيع. اهـ.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية - كما في مجموع الفتاوى -: عن رجل وكّل رجلًا وكالة مطلقة؛ بناء على أنه لا يتصرف، إلا بالمصلحة، والغبطة، فأجّر له أرضًا تساوي إجارتها عشرة آلاف بخمسة آلاف، فهل تصح هذه الإجارة أم لا؟ وإذا صحت، هل يلزم الوكيل التفاوت؟
فأجاب: الحمد لله. ليس له أن يؤجرها بمثل هذا الغبن، وله أن يضمن الوكيل المفرط ما فوته عليه.
وأما صحة الإجارة: فأكثر الفقهاء يقولون: إجارة باطلة، كما هو مذهب الشافعي، وأحمد في أحد القولين ... اهـ.
وعلى ذلك؛ فالموكّل له أن يمضي هذا العقد، أو يفسخه، وله أن يضمّن الوكيل قدر النقص عن أجرة المثل.
والله أعلم.