الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كان أبوك على الحال التي ذكرت من الإساءة في معاملة أولاده، وأعظم من ذلك اجتراؤه على سب الدين؛ فهو على خطر عظيم، فإنّ سب الدين كفر، وتضييع الأولاد إثم عظيم، لكن ننبهك إلى أن مسألة توسيط والدك لأحد المشايخ للإصلاح بينه وبين زوجته، ولو كان في أمور تتعلق بالمعاشرة؛ فليس هذا منكرًا إذا كان وفق الضوابط الشرعية عند الحاجة.
وعلى أية حال، فمهما كان حال الوالد، ومهما كان ظلمه وإساءته إليكم؛ فإنّ هذا لا يسقط حقّه عليكم في البر والمصاحبة بالمعروف، فإن الله قد أمر الولد بمصاحبة والديه بالمعروف، ولو كانا مشركين يأمرانه بالشرك، فالواجب عليك أن تبرّ أباك ولا تعقّه، ومن أعظم البر أن تنصحه، وتأمره بالمعروف، وتنهاه عن المنكر برفق وأدب.
قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: ... لا يهجر الوالدين، بل يزور الوالدين، ويعتني بالوالدين، وينصح الوالدين ولا يهجرهما؛ لأن الله جل وعلا قال في كتابه العظيم في حق الوالدين: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}، أمره أن يصحبهما في الدنيا بالمعروف، وإن جاهداه على الشرك يدعو الله أن يهديهما بأسبابه؛ لأن حقهما عظيم، وبرهما من أهم الواجبات، فلا يهجرهما، ولكن يتلطف فيهما، وقد اجتهد إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع أبيه مع أنه مشرك، معلن بالشرك، مع ذلك اجتهد إبراهيم في دعوة أبيه عليه الصلاة والسلام، فالمقصود أن الوالدين لهما شأن عظيم، فلا يهجرهما الولد، بل يتلطف بنصيحتهما وتوجيههما للخير، ويستعين على ذلك بمن يتيسر من أخوال أو إخوان أو أعمام. انتهى من فتاوى نور على الدرب.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -: نحن أربعة إخوة قد هدانا الله على يد أخي الأكبر ، ولكنَّ أبي يسبُّنا ويلعننا وقد تحملناه وصبرنا على إيذائه لنا أربع سنوات ، مع العلم أنه يوالي بعض الناس الذين يعينونه على المعاصي ، ولا يحافظ على الصلاة ، بل أحيانا يتركها بالمرة ، وفي النهاية تركنا البيت ، وهجرناه ، فهل نأثم في ذلك مع العلم أننا نصلُ أمَّنا ؟ .
فأجاب -رحمه الله-: الواجب عليكم أن تسألوا الله الهداية لأبيكم ، وأن تناصحوه دائماً ، ولا يحل لكم أن تهجروه ، ولا أن تعقُّوه ؛ لأن الله تعالى قال ( وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ . وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ) لقمان/ 14،15 ، فهذه الصورة التي ذكرها الله عز وجل يبذلان الجهد في ولدهما أن يشرك بالله ، ومع ذلك يقول الله عز وجل ( وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ) ، فعليك أن تبرَّ والديك ، وربما يكون برُّك لهما سبباً في صلاحهما .. انتهى من "اللقاء الشهري"
وللفائدة ننصحك بالتواصل مع قسم الاستشارات بموقعنا.
والله أعلم.