الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ثبت في السنة أن الكسوف والخسوف آيتان من آيات الله تعالى يخوف بهما عباده، وهذا القدر لا يتعارض مع كون وقت حصولهما يمكن معرفته سابقا ولاحقا عن طريق الحساب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: وأما كون الكسوف أو غيره قد يكون سببا لحادث في الأرض من عذاب يقتضي موتا أو غيره: فهذا قد أثبته الحديث نفسه. وما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- لا ينافى كون الكسوف له وقت محدود يكون فيه ... ولهذا يمكن المعرفة بما مضى من الكسوف وما يستقبل، كما يمكن المعرفة بما مضى من الأهلة وما يستقبل؛ إذ كل ذلك بحساب. اهـ.
وقال في موضع آخر بعد حديث: "إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، لكنهما آيتان من آيات الله، يخوف بهما عباده" قال: والتخويف إنما يكون بوجود سبب الخوف، فعلم أن كسوفهما قد يكون سببا لأمر مخوف. اهـ.
وهذا القدر قالت عنه السائلة: (لا مشكلة لدي بأمر التخويف بالخسوف والكسوف).
وأما ما نقلته عن الشيخ الذي سمعته يقول: (حين تسوء حال الأمة يجعل الله الخسوف والكسوف للإنذار. أي حين يرى الله أعمال الناس .. الخ) فهذا الكلام لم يثبت في نص الحديث، ولا هو لازم من لوازم معانيه، وقد كسفت الشمس في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا يصح أن يقال: إن حال الأمة قد ساء في هذا الوقت!! بخلاف إثبات كون ذلك من آيات الله التي يخوف بها عباده، للعظة والتذكير، لعل محسنا أن يزداد، ومسيئا أن يتوب، وغافلا أن ينتبه.
قال شيخ الإسلام: وكذلك الشمس والقمر هما آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده. كما قال الله: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفا} فعلم أن هذه الآيات السماوية قد تكون سبب عذاب؛ ولهذا شرع النبي صلى الله عليه وسلم عند وجود سبب الخوف ما يدفعه من الأعمال الصالحة فأمر بصلاة الكسوف - الصلاة الطويلة - وأمر بالعتق والصدقة وأمر بالدعاء والاستغفار. اهـ.
والله أعلم.