الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فههنا أمور لا بد من بيانها:
أولا: الله أعلم بمصالح العبد من نفسه، وهو أرحم به من أمه التي ولدته، وهو الغني القادر على سوق تلك المصالح إلى العبد. فإذا صرفها عنه، فإنما يصرفها لكونها ليست مصلحة له، ولعلمه سبحانه بأن الخير في غيرها.
فمن آمن بهذه الحقائق حق الإيمان، لم يتزعزع يقينه في أن ما عند الله خير للأبرار، وأن ما يقدره الله هو الخير بكل حال.
ثانيا: الدعاء خير كله، فإن لم ينتفع العبد باستجابة دعائه؛ فإنه منتفع ولا بد بأن يصرف الله عنه من السوء مثلها، أو يدخرها له يوم القيامة؛ كما صح في الحديث.
ثالثا: قد يؤتى العبد من قبل نفسه وهو لا يشعر، فقد يكون المانع من إجابة دعائه خللا في إيمانه، أو نقصا في توحيده، أو ذنبا هو مصر عليه. فعلى العبد أن يتوب إلى الله تعالى في كل حين، ويفوض أمره إليه، ويعلم أن عقله قاصر عن إدراك الحكم والغايات المحمودة لأفعال الرب سبحانه، وأن يجتهد في إصلاح ما بينه وبين الله تعالى؛ ففي ذلك الخير كله له.
رابعا: ما أصابك من اليأس والقنوط ونحو ذلك، إن كان مجرد خواطر تمر بقلبك ثم تدفعينها فإنها لا تضرك، وأما إن تكلمت بذلك أو استقر في قلبك فأنت على خطر عظيم، فعليك أن تتوبي إلى الله تعالى من هذا كله، وأن تستحضري حكمته البالغة، وأن العباد ليس لهم حق واجب عليه سبحانه، وأن تتفكري في نعمه الكثيرة التي حباك إياها وزودك بها. فالفكرة في تلك النعم تجعلك تستشعرين فضله سبحانه، ومنته التي لا تحصى.
خامسا: توبي إلى الله تعالى من الفكرة في الانتحار، ومن سوء الأدب معه سبحانه، واستحضري ما ذكرناه من المعاني وغيره. واعلمي أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فإذا تبت توبة صادقة، محت عنك كل الذنوب، ولم يحبط شيء من عملك إن شاء الله.
والله أعلم.