الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالرحم أمرها عظيم، أعلى الله من شأنها، فأمر بصلتها، وهو أمر وجوب، ونهى عن قطيعتها وهو نهي تحريم، بل إن قطيعتها من أسباب اللعن وهو الطرد من رحمة الله، ويمكن مراجعة النصوص المتعلقة بذلك في الفتوى: 13912، والفتوى: 43714.
فلا يجوز لك أن تقطع رحمك، وخاصة الخال والخالة، فهما لهما منزلتهما، كما أوضحنا في الفتوى: 138216.
ومن كان مؤذيا من ذوي الرحم، فإنه يقطع بالقدر الذي يندفع به الأذى، ويوصل بغيره، خاصة وأن وسائل الصلة كثيرة ويرجع فيها للعرف، وراجع الفتوى: 348340، والفتوى: 367546.
على أنه كان من المفترض أن تتجاهل من الطرد ما لم يكن صريحا كحالة الخال، ففي الحكمة الشعرية:
لَيسَ الغَبيُّ بِسَيدٍ في قَومِهِ لَكِن سَيِّد قَومِهِ المُتَغابي
أي المتغافل عن صغائر الأمور.
بقي أن ننبه إلى أن السنة قد دلت على فضل من يصل الأرحام وإن قطعوه، وأن في ذلك أجرا للواصل عند الله تعالى، وليس في ذلك مذلة ولا إهانة لكرامته، بل إن فعل ذلك تواضعاً لله تعالى، وابتغاء للمثوبة عنده، فسيكون ذلك رفعاً لقدره عند الله وعند الناس. روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله؛ إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال:"لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك".
وثم تنبيه آخر وهو أهمية الصلح وخاصة بين ذوي الرحم، وقد دلت النصوص من الكتاب والسنة على فضل الإصلاح بين الناس، قال تعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:114}. وروى عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟» قالوا: بلى، يا رسول الله قال: «إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة".
والله أعلم.