الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فللمتصدق الخيار في وضع صدقته حيث يشاء، ولكن إن كان يمنع العرب أو غيرهم بغضا لجنسهم؛ فإنه يخشى عليه الإثم ببغضه؛ إذ ليس للمسلم أن يبغض ويحب ويعادي ويوالي لجنسٍ أو عرقٍ، بل الواجب عليه أن يحب لله، ويبغض لله، ويوالي لله، ويعادي لله.
وانتقاص جنس العرب وتفضيل غيرهم عليهم، لا يصدر في الغالب إلا عن نفاق في القلب، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية.
فقد قال -رحمه الله تعالى-: ومن الناس من قد يفضل بعض أنواع العجم على العرب. والغالب أن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا عن نوع نفاق: إما في الاعتقاد، وإما في العمل المنبعث عن هوى النفس، مع شبهات اقتضت ذلك. اهـ.
وهذا التفضيل لا يعني أن كل واحد من العرب أفضل من غيره من العجم، فتفضيل العروبة هو تفضيل جنس، وليس تفضيل أفراد. والأعجمي التقي الصالح، خير من العربي المقصر في حق الله تعالى، وتفضيل جنس العرب على غيرهم، إنما كان بسبب ما في العرب من الصفات والخلال التي يفوقون بها غيرهم من الأجناس.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ جِنْسَ الْعَرَبِ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِمْ، كَمَا أَنَّ جِنْسَ قُرَيْشٍ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَجِنْسَ بَنِي هَاشِمٍ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إذَا فَقِهُوا. لَكِنَّ تَفْضِيلَ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ، لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ فَرْدٍ أَفْضَلَ مِنْ كُلِّ فَرْدٍ؛ فَإِنَّ فِي غَيْرِ الْعَرَبِ خَلْقًا كَثِيرًا خَيْرًا مِنْ أَكْثَرِ الْعَرَبِ، وَفِي غَيْرِ قُرَيْشٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ، وَفِي غَيْرِ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِ قُرَيْشٍ، مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ أَكْثَرِ بَنِي هَاشِمٍ. اهــ.
والله أعلم.