الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما ما سبق من استثمارك للمال في البنوك المذكورة في مجال السندات، بناء على فتوى أفتاك بها من تثق في علمه؛ فلا إثم عليك في ذلك. ولك الانتفاع بالأرباح المكتسبة سابقا، ولا يلزمك التخلص من شيء منها فيما ذهب إليه بعض العلماء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في (تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء): حِلّ المال الحرام للكافر الذي أسلم بعد كسبه... ثم قال: وأما المسلم، فله ثلاثة أحوال: تارة يعتقد حل بعض الأنواع باجتهاد، أو تقليد. وتارة يعامل بجهل، ولا يعلم أن ذلك ربا محرم. وتارة يقبض مع علمه بأن ذلك محرم:
أما الأول والثاني، ففيه قولان إذا تبين له فيما بعد أن ذلك ربا محرم: قيل: يرد ما قبض، كالغاصب، وقيل: لا يرده، وهو الأصح؛ لأنه كان يعتقد أن ذلك حلال، والكلام فيما إذا كان مختلفًا فيه، مثل الحيل الربوية، فإذا كان الكافر إذا تاب، يغفر له ما استحله، ويباح له ما قبضه، فالمسلم المتأول إذا تاب، يغفر له ما استحله، ويباح له ما قبضه؛ لأن المسلم إذا تاب أولى أن يغفر له، إن كان قد أخذ بأحد قولي العلماء في حل ذلك، فهو في تأويله أعذر من الكافر في تأويله...".
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: الذي يظهر لي: أنه إذا كان لا يعلم أن هذا حرام، فله كل ما أخذ، وليس عليه شيء، أو أنه اغتر بفتوى عالم أنه ليس بحرام، فلا يخرج شيئًا، وقد قال الله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ {البقرة:275}، أما إذا كان عالمًا، فإنه يتخلص من الربا بالصدقة به، تخلصًا منه، أو ببناء مساجد، أو إصلاح طرق، أو ما أشبه ذلك. اهـ.
وأما ما يستقبل: فالواجب الكف عن الاستثمار في السندات الحكومية ذات العائد الثابت، سواء أكان للبنك الإسلامي الخيار في الاستثمار فيها أو لا.
ويمكنك البحث عن بنك إسلامي تستثمر مالك لديه، بحيث يكون مجال الاستثمار لا صلة له بالحرام وشبهاته، ومن تحرى ذلك وجده.
وسل أهل العلم المختصين في بلدك عن أمثل البنوك الإسلامية وأحسنها سمعة، والتزاما بالضوابط الشرعية.
والله أعلم.