الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنهنئك على ما أنعم الله عز وجل عليك به من التوبة إليه سبحانه، والاستقامة على طاعته، فهذه نعمة عظيمة حقها أن تشكر بالحرص على الأسباب التي تعينك على الثبات على طريق الحق، كالعلم النافع، والعمل الصالح، وصحبة الأخيار، واجتناب صحبة الأشرار، ولمزيد الفائدة انظر الفتاوى: 1208، 10800، 12928.
ومن تاب؛ تاب الله عليه، فأحسن الظن بربك، ففضله عظيم، ورحمته واسعة. ولا تدع فرصة للشيطان ليوقعك في القنوط من رحمة الله، فقد قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، وقال: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر:56}.
ولا تلتفت لتهويل الشيطان وتخويفه لك من الالتقاء بقريبك الذي تحرشت به، ووسوسته لك بأنك لو لقيته ربما ذكرته بهذا الفعل القبيح.
فإذا انتابتك هذه الهواجس؛ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، قال تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {فصلت:36}.
وكما أن الدال على الخير كفاعله، فإن الدال على الشر كفاعله أيضًا، قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2}.
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: أمر لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى، أي: ليعن بعضكم بعضًا، وتحاثوا على ما أمر الله تعالى، واعملوا به، وانتهوا عما نهى الله عنه، وامتنعوا منه. وهذا موافق لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الدال على الخير كفاعله ـ وقد قيل: الدال على الشر كصانعه. اهـ.
ولكن يكفي في التوبة من مثل هذه الحقوق الدعاء لأصحابها بخير، فقد يكون في استحلالهم مفسدة أعظم، وراجع الفتوى: 18180.
والله أعلم.