الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما دام الغرض الأساس للجهة التي تستفيد من البرنامج هو المباح، والمحرم يسير عارض -كبقالة يباع فيها الدخان، أو فندق توجد فيه بعض المخالفات الشرعية-، فلا حرج في تقديم البرنامج لها؛ وذلك لأنه يصح تبعًا ما لا يصح استقلالًا، كما هو مقرر في القواعد الفقهية، جاء في الأشباه والنظائر للسيوطي: يغتفر في الشيء ضمنًا، ما لا يغتفر فيه قصدًا. اهـ.
ولأن وجود مثل تلك المخالفات مما عمت به البلوى؛ فقلّ أن يوجد محل إلا ويباع ضمن ما يباع فيه ما هو منهي عنه شرعًا, كما سبق في الفتوى: 278341.
وقد سئل الدكتور سليمان الماجد: هل يجوز العمل كطيار في شركة طيران تقدم الخمر للركاب؟ علمًا بأن الطيار لا يقدم الخمر، وليس له علاقة فيها، فهو فقط يقود الطائرة، ومعظم الشركات -حتى العربية- تقدم الخمر؟
فأجاب: فحيث إن قائد الطائرة لا يباشر تقديم الخمور بنفسه، ولا يأمر به، وأن الغرض الذي استؤجر لأجله غرض مباح في أصله؛ وهو قيادة الطائرة للملاحة الجوية، ونقل الركاب؛ فلا تعد قيادته لها محرمة؛ كتأجير البيت على من يعلم أنه يستخدمه في حرام تبعًا لغرض السكنى؛ كمشاهدة محرم، أو حلق لحية، ولكن يحسن بالطيار المسلم البحث عن شركة لا تقدم الخمور على طائراتها؛ كما يجب عليه الإنكار عليها: بالكتابة لها، ومناصحتها. اهـ.
وأما السؤال الثاني: فإن الأصل هو إباحة البيع، والسلامة مما يمنعه، ولا نعلم ما يوجب البحث والتنقير عن حال المستفيدين من البرامج، لكن متى علمتم أن الغرض الأساس للمستفيد هو استعمال البرنامج في المحرم؛ فحينئذ فقط يحرم تقديم البرامج له.
وأما الشك -وغلبة الظن عند بعضهم-، فلا يوجب التحريم، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية -في الكلام عن بيع العصير لمن يتخذه خمرًا-:
هذا إذا علم البائع قصد المشتري.
وأما إذا غلب على ظنه، اشترط الجمهور للمنع من هذا البيع: أن يعلم البائع بقصد المشتري اتخاذ الخمر من العصير، فلو لم يعلم، لم يكره بلا خلاف، كما ذكره القهستاني من الحنفية، وكذلك قال ابن قدامة: إنما يحرم البيع إذا علم البائع قصد المشتري ذلك: إما بقوله، وإما بقرائن مختصة به تدل على ذلك.
أما الشافعية فاكتفوا بظن البائع أن المشتري يعصر خمرًا أو مسكرًا، واختاره ابن تيمية.
أما إذا لم يعلم البائع بحال المشتري، أو كان المشتري ممن يعمل الخل والخمر معًا، أو كان البائع يشك في حاله، أو يتوهم: فمذهب الجمهور الجواز، كما هو نص الحنفية، والحنابلة. ومذهب الشافعية أن البيع في حال الشك، أو التوهم مكروه. اهـ.
ويمكن من باب الاحتياط أن تشترطوا على المستفيدين من البرامج ألا يستعملوها في محرم.
والله أعلم.