الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالذي يعينك على تمام التوكل والاعتماد على الله هو: أن تعلم أن الأمور كلها بيد الله سبحانه، وأنه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وأنه ما يفتح الله للناس من رحمة، فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده، وأنه وحده هو الذي يملك جلب النفع ودفع الضر، كما قال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ {يونس:107}.
وأن تعلم كذلك أنه سبحانه على كل شيء قدير، فلا يعجزه سَوق ما فيه مصلحتك لك.
وأن تعلم كذلك أنه سبحانه الغني، وجميع الخلق فقراء إليه.
وأن تعلم أنه سبحانه رحيم، وأنه أرحم بعبده من الأم بولدها، فتثق في سعة جوده، وعظيم برّه، وواسع رحمته.
وأن تعلم أنه سبحانه حكيم، فهو يضع الأشياء في مواضعها، ويوقعها في مواقعها، وهو أعلم بمصلحة العبد من نفسه، فكل هذه المعاني متى حضرت في نفسك، تم لك التوكل على الله، ووثقت بما عنده سبحانه.
ثم اعلم أن توكلك لا ينافي أخذك بالأسباب؛ فإن التوكل عمل القلب، والأخذ بالأسباب عمل الجوارح.
فإذا توكلت على الله في أمر النجاح مثلًا، فلا بدّ أن تأخذ بالأسباب المطلوبة من المذاكرة، والاجتهاد، وتعطي ذلك حقّه، ثم تعلق قلبك بربك تعالى، واثقًا بما في يده، معتمدًا عليه في جلب النفع لك، ودفع الضر عنك، عالمًا أنه سبحانه حسبك -أي: كافيك- كل ما أهمك، وأنه حسبك في الأمر الذي توكلت عليه فيه، فلا يخيب من توكل وصدق في التوكل على الله سبحانه.
والله أعلم.