الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فحقّ الوالد على ولده عظيم، ولا يسقط حقه في البر والمصاحبة بالمعروف بتقصيره أو إساءته، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان15].
فكيف تمنّ على أبيك بما هو واجب عليك نحوه، وتظنّ أنّك متفضل عليه بمثل هذه الأمور، مع أنّك لو فعلت أضعاف أضعاف ذلك ما أديت حقّ أبيك ولا بعضه، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يجزي ولد والدا، إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه.
فنصيحتنا لك أن تبرّ أباك، وتحسن إليه، وتحرص على مخاطبته بالأدب والرفق والتواضع والتوقير، قال تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا الإسراء[23،24].
قال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: (وقل لهما قولا كريما ) أي لينا لطيفا مثل : يا أبتاه ويا أمّاه من غير أن يسميهما ويكنيهما، قال عطاء: وقال بن البداح التجيبي: قلت: لسعيد بن المسيب كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: وقل لهما قولا كريما، ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ . انتهى.
وأبشر ببركة برّ أبيك، فإنّه من أعظم أسباب رضوان الله، ودخول الجنة، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد.
وعن أبي الدرداء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب، أو احفظه. رواه ابن ماجه والترمذي.
قال المباركفوري –رحمه الله- في تحفة الأحوذي: قَالَ الْقَاضِي: أَيْ خَيْرُ الْأَبْوَابِ وَأَعْلَاهَا، وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ. انتهى.
ونصيحتنا لأبيك أن يعدل بين أولاده في العطايا، ولا يفضلّ بعضهم على بعض، حتى لا تثور الأحقاد والعداوة بينهم، ولذلك استحب أهل العلم التسوية بين الأولاد في سائر الأمور، ولو بالكلمة أو القبلة. قال ابن قدامة –رحمه الله- في المغني : .. قال إبراهيم : كانوا يستحبون أن يسوّوا بينهم حتى في القُبَلْ. انتهى.
والله أعلم.