الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فثنية الوداع: موضع بقرب المدينة، سمّيت بذلك؛ لأن المسافر كان يشيع إليها، ويودع عندها، فسميت بذلك؛ لأن الخارج من المدينة يمشي معه المودعون إليها، وكان الناس يترددون إليها في عدة مناسبات، كسباق الخيل، ففي حديث ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَابَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ مِنْ الْحَفْيَاءِ، وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ. وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِد بَنِي زُرَيْقٍ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ فِيمَنْ سَابَقَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. زَادَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ سُفْيَانُ: مِنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاع خَمْسَةِ أَمْيَالٍ، أَوْ سِتَّةَ، وَمِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٍ.
وقد اختلف العلماء هل هذه الثنية شمال المدينة جهة الشام أم جنوبها جهة الحجاز: فقال بعضهم: هي جهة الشام، وقال آخرون: إنها جهة الحجاز، قال الحافظ في الفتح بعد أن نقل كلام بن الْقَيِّمِ أنها مِنْ جِهَةِ مَكَّةَ لَا مِنْ جِهَةِ تَبُوكَ، قال الحافظ: قُلْتُ: لَا يَمْنَعُ كَوْنُهَا مِنْ جِهَةِ الْحِجَازِ، أَنْ يَكُونَ خُرُوجُ الْمُسَافِرِ إِلَى الشَّامِ مِنْ جِهَتِهَا، وَهَذَا وَاضِحٌ، كَمَا فِي دُخُولِ مَكَّةَ مِنْ ثَنِيَّةٍ، وَالْخُرُوجِ مِنْهَا مِنْ أُخْرَى، وَيَنْتَهِي كِلَاهُمَا إِلَى طَرِيقٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ رُوِّينَا بِسَنَدٍ مُنْقَطِعٍ فِي الْحَلَبِيَّاتِ: قَوْلَ النِّسْوَةِ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ: طَلَعَ الْبَدْرُ عَلَيْنَا مِنْ ثَنِيَّاتِ الْوَدَاعِ. فَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ قُدُومِهِ فِي الْهِجْرَةِ، وَقِيلَ: عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ. اهــ. وقال في تعريفها: وَالثَّنِيَّةُ: مَا ارْتَفَعَ فِي الْأَرْضِ، وَقِيلَ: الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ. اهــ.
وما نقلته -أيها السائل- عن البعض من أن ثنية الوداع كانت وكرًا للفساد، يعنون في الجاهلية، وأن اليهود أشاعوا أنها مظنة الهلاك، ومن ذهب إليها يودع حياته... إلخ، كل هذا يتناقل على النت، ومواقع التواصل الاجتماعي، وقد بحثنا عنه، فلم نجده في شيء مما اطلعنا عليه من كتب السنة والتاريخ والسير.
وننصحك بأن تشغل نفسك بتعلم ما يفيد، مما يترتب عليه عمل، أو اعتقاد، وأن تترك ما لا يسمن، ولا يغني.
والله أعلم.