الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذه المسألة مما يكثر وقوعه في هذا الزمان بسبب الحروب، والكوارث، والأزمات التي تؤثر في قيمة عملة أيِّ بلد حلَّت به تلك الكوارث؛ زيادة أو نقصًا؛ مما قد يصل بها إلى حد الانهيار.
وقد بحث كثير من العلماء المعاصرين هذه المسألة، وجنحت أكثر أبحاثهم إلى اعتبار قيمة العملة في قضاء الحقوق المؤجلة، إذا حدث غبن فاحش، أو انهيار للعملة، يتحقق به ضرر معتبر على الدائن، أو صاحب الحق؛ وذلك بإقامة العدل عند التنازع بين الدائن والمدين في مثل هذه الحالات الاستثنائية، قال الدكتور علي القره داغي في بحثه: الرأي الذي يطمئن إليه القلب هو رعاية القيمة في نقودنا الورقية، في جميع الحقوق الآجلة المتعلقة بالذمة من قرض، أو مهر، أو بيع، أو إجارة، أو غيرها، ما دام قد حصل انهيار، وغبن فاحش، بين قيمة النقد الذي تم عليه الاتفاق، وقدرته الشرائية في الوقتين -أي: وقت العقد، ووقت الوفاء- وسواء كان المتضرر دائنًا أو مدينًا... اهـ. وللمزيد انظر الفتوى: 348040.
كما قرر أهل العلم أنه لا حرج على الدائن أن يرد إلى المدين أكثر من حقه عند السداد؛ من باب حسن القضاء، إن لم يكن عن شرط والتزام؛ لأنه حينئذ تبرع محض من الدائن، وقد رغّب فيه الشارع؛ لما ثبت في الصحيحين، وغيرهما من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن خياركم أحسنكم قضاء. ولأنه إحسان منه في مقابل إحسان الدائن إليه، وقد قال تعالى: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ {الرحمن:60}.
كما أن سداد الدين الثابت في الذمة بعملة أخرى غير العملة التي أخذها المدين، لا حرج فيه، إذا اتفق عليه عند السداد، لكن أكثر أهل العلم يشترط أن يكون بسعر الصرف يوم السداد، وبعضهم لا يشترط ذلك، بل يرى الجواز، ولو دفع أكثر من قيمة الصرف يوم السداد، جاء في الأصل لمحمد بن الحسن الشيباني: وإذا كان لرجل على رجل دَين درهم حال من ثمن بيع، أو قرض، فأخذ منه بها دنانير بسعر يومه أو أغلى أو أرخص، فلا بأس بذلك، وهذا جائز، إذا كان يدًا بيد. اهـ.
والله أعلم.