الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يلزم أن يكون للشيطان مدخل فيما ذكرت، بل قد يكون تعلقًا طبيعيًّا بالفتاة الأولى، وربما مقارنتك لهذه بتلك في جمالها، أو غير ذلك هو الذي يجعلك في رغبة عن هذه الفتاة التي خطبتها.
وإذا اجتهدت في تناسي أمر تلك، وخاصة مع صعوبة الظفر بها للزواج منها، كما ذكرت، فلعل ذلك يجعلك ترتضي هذه الفتاة.
ونحيلك بهذه المناسبة على الفتوى: 9360، فقد ذكر ابن القيم فيها جملة من التدابير لعلاج العشق.
وإذا كانت مخطوبتك هذه على دِين وخُلُق، فاحرص على الزواج منها، ولو كان جمالها دون القدر الذي تضعه في مخيلتك، فالمرأة الدينة ذات الخُلُق أرجى أن تعرف لزوجها حقه، وأن تدوم معها العشرة، روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة.
وروى النسائي في السنن الكبرى عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهماـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الودود، الولود، العؤود على زوجها، التي إذا آذت أو أوذيت، جاءت حتى تأخذ بيد زوجها، ثم تقول: والله، لا أذوق غمضًا حتى ترضى.
وروى أبو داود عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر -رضي الله عنه-: ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته. فمثل هذه المعاني الرائعة لا توجد إلا عند ذات الدِّين، والغالب في الجميلات الغرور، وشيء من سوء الخُلُق، فلينتبه لهذا!!
وعلى كل؛ فإن لم يكن بد من فسخ الخطبة؛ فالخطبة مواعدة بين الطرفين، يحق لأيهما فسخها متى شاء، ولكن يكره فسخها لغير سبب، وسبق بيان ذلك في الفتوى: 18857.
فتعلم من هذا؛ أنك لا تكون آثمًا إن قمت بفسخ الخطبة، ولو لغير سبب، ولكن لا تعجل لذلك، كما أسلفنا، فلعل الله -عز وجل- يجعل في هذا الزواج خيرًا.
والاستخارة من أعظم ما يستعين به المؤمن في سبيل البحث عن التوفيق، وتكون عند الهَمَّ بالأمر، الذي لا يدري المسلم وجه الخير فيه، كما في صيغة الاستخارة، وهي مضمنة في الفتوى: 19333.
فاستخر مرة أخرى، بل وكرر الاستخارة؛ فإن ذلك مشروع.
ولا يلزم في الاستخارة أن ترى علامة معينة بعدها؛ كالرؤيا، أو انشراح الصدر، ونحو ذلك، بل ما يكون بعد ذلك من التوفيق للشيء المستخار فيه من عدمه، أي: سواء قدر لك الزواج منها أم لم يقدر لك ذلك، ففي كل خير، وانظر الفتوى: 7234، والفتوى: 123457.
والله أعلم.