الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن الغريب أنك لم تكتب إلينا إلا بعد أن استفحل الأمر، وعظم الخطب، وكان ينبغي السؤال في بداية الأمر؛ لتتدارك ما يمكن تداركه، وتعمل على الإصلاح.
وإن لم يكن ذلك بالكتابة إلينا، فبمشافهة من عندكم من العلماء الثقات، أو التواصل مع المراكز الإسلامية.
وقد ذكرت عن زوجتك ما يدل على نشوزها، وقد أوضح الشارع في محكم كتابه كيفية علاج النشوز، وهو مبين في الفتوى: 1103.
وعلى الأقل: كان بالإمكان أن يتدخل العقلاء من أهلك وأهلها؛ للحيلولة دون حصول ما يهدد كيان الأسرة، ويؤدي إلى تفرقها.
وليس الطلاق بأول الحلول، ولا أولاها، فما كان ينبغي لك مجاراة زوجتك في أمر الطلاق.
وبخصوص هذه الطلقات الثلاث: فالطلقة الثانية لا إشكال في وقوعها، ويبقى النظر في الطلقة الأولى، والطلقة الثالثة.
فأما الأولى؛ فالأصل أنها طلقة نافذة، فليس مجرد التهديد بالانتحار مانعًا من وقوع الطلاق، إلا إذا غلب على ظنك أنها ستنفذ ما هددت به إن لم تطلقها؛ فقد سبق لنا ترجيح عدم وقوع طلاق من هددته امرأته بقتل نفسها فطلقها؛ إذا غلب على ظنه صدقها في فعل ما هددت به؛ لدخوله في معنى الإكراه، الذي لا يصح معه الطلاق، وراجع الفتوى: 121714.
وأما الثالثة: فكتابة الطلاق كناية من كناياته، فيقع الطلاق بها بالنية، فإن كتبته بنية إيقاعه -وهو ما يظهر-، وقع.
وإن نويت به تهديدها، ونحو ذلك، لم يقع.
وعلى تقدير وقوع الطاقات الثلاث؛ فتحرم بها زوجتك، فلا يحل لك رجعتها؛ حتى تنكح غيرك نكاح رغبة، ثم يفارقها؛ لقوله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {البقرة:230}.
وعلى تقدير وقوع واحدة، أو اثنتين، فمن حقك رجعتها بغير عقد جديد، إن كانت لا تزال في عدتها.
فإن انقضت عدتها؛ فلا يحل لك رجعتها إلا بعقد جديد، قال الشافعي في كتابه الأم: وإذا طلق الرجل امرأته واحدة، أو اثنتين، فهو أحق بها، ما لم تر الدم من الحيضة الثالثة، فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة، فقد حلت منه، وهو خاطب من الخطاب، لا يكون له عليها رجعة، ولا ينكحها إلا كما ينكحها مبتدئًا بولي، وشاهدين، ورضاها. اهـ.
والله أعلم.