الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كانت هذه الطلقة وقعت تحت تأثير هذا الغضب الشديد، وكنت في حالة عدم وعي، فلا يقع الطلاق باتفاق الفقهاء؛ لأن العقل مناط التكليف. وإن كنت تعي ما تقول، فقد وقع الخلاف بين الفقهاء في حكم الطلاق في هذه الحالة، والفتوى عندنا على وقوع الطلاق.
وبالتالي، تكون زوجتك قد بانت منك بينونة كبرى، فلا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك -نكاح رغبة-، ويدخل بها، ثم يفارقها، قال تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {البقرة:230}.
ومن الفقهاء من ذهب إلى عدم وقوع طلاق الغضبان إذا اشتد غضبه، ولو لم يزل عقله بالكلية. جاء في الإنصاف للمرداوي الحنبلي: وقال الشيخ تقي الدين أيضا: إنْ غيَّره الغضب ولم يزل عقله، لم يقع الطلاق؛ لأنه ألجأه وحمله عليه، فأوقعه وهو يكرهه، ليستريح منه، فلم يبق له قصد صحيح، فهو كالمكره. اهـ. وهو قول قوي له اعتباره.
فننصحك بأن تعرض مسألتك على من يمكنك مشافهته من أهل العلم الموثوق بعلمهم ودينهم في المراكز الإسلامية عندكم، وتعمل بما يفتونك به.
ونرجو أن يكون ما حدث منك مع زوجتك عبرة لكل من يعجل إلى الطلاق من رجل أو امرأة، يظن أن فيه حلا لمشاكله، فالطلاق وإن كان من الحلول عند الحاجة إليه، واستحالة العشرة؛ إلا أنه الخيار المرجوح غالبا، وتترتب عليه كثير من المفاسد، ولذلك ذهب بعض العلماء إلى أن الأصل فيه التحريم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الأصل في الطلاق الحظر، وإنما أبيح منه قدر الحاجة. اهـ.
وقال ابن عابدين في حاشيته: الطلاق الأصل فيه الحظر، بمعنى: أنه محظور، إلا لعارض يبيحه، وهو معنى قولهم: الأصل فيه الحظر، والإباحة للحاجة إلى الخلاص. فإذا كان بلا سبب أصلًا لم يكن فيه حاجة إلى الخلاص، بل يكون حمقًا، وسفاهة رأي، ومجرد كفران النعمة، وإخلاص الإيذاء بها، وبأهلها، وأولادها. ولهذا قالوا: إن سببه الحاجة إلى الخلاص عند تباين الأخلاق، وعروض البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود الله تعالى ... فحيث تجرد عن الحاجة المبيحة له شرعًا، يبقى على أصله من الحظر؛ ولهذا قال تعالى: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا} [النساء:34]، أي: لا تطلبوا الفراق. اهـ.
والله أعلم.