الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأثر الذي أشرت إليه ذكره البخاري في صحيحه تعليقًا، فقال: وَرَأَى عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: «القَبْرَ القَبْرَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإِعَادَةِ». اهــ. والأثر وصله عبد الرزاق في مصنفه عن معمر، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: رآني عمر بن الخطاب وأنا أصلي عند قبر، فجعل يقول: القبر، قال: فحسبته يقول: القمر، قال: فجعلتُ أرفع رأسي إلى السماء، فأنظر، فقال: إنما أقول: القبر، لا تصلِّ إليه. اهــ.
وقد استدل به أكثر الفقهاء على عدم بطلان الصلاة عند القبور، ووجه الدلالة واضح من أنه لم يأمره بالإعادة، وبه قال أكثر الفقهاء، فإنهم يرون صحة الصلاة مع الكراهة، وأن النهي الوارد في النهي عن الصلاة إلى القبور، واتخاذها مساجد، محمول عندهم على الكراهة، قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري: وأما ما ذكره البخاري: أن عمر لم يأمر أنسًا بالإعادة، فقد اختلف في الصلاة في المقبرة: هل تجب إعادتها، أم لا؟ وأكثر العلماء على أنه لا تجب الإعادة بذلك، وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد في رواية عنه، والمشهور عن أحمد الذي عليه عامة أصحابه: أن عليه الإعادة. اهـ.
ومن قال ببطلان الصلاة على القبر، أجاب عن هذا الأثر بأن أنس لم يكن يعلم بوجود القبر، ولم يتعمد الصلاة إليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة: قول عمر لأنس: القبر القبر، ولم يأمره بالإعادة؛ لأنه لم يكن يعلم أن بين يديه قبرًا. اهــ.
والله أعلم.