الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرًا على الحرص على البرّ بأمك.
ولا شك في أن بر الأمّ من أشرف المقامات، ومن أفضل القربات، فقد أوصى الله تعالى بالوالدين، وأكد الوصية بالأمّ خصوصًا، وذكَّر بما عانته في الحمل، والوضع، والرضاع؛ حيث قال في محكم كتابه: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {لقمان:14}، وقال: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا.. {الأحقاف:15}.
وأعطت السنة الأمّ ثلاثة أرباع البر، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمّك. قال ثم من؟ قال: ثم أمّك. قال ثم من؟ قال: ثم أمّك. قال ثم من؟ قال: ثم أبوك.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قال ابن بطال: مقتضاه أن يكون للأمّ ثلاثة أمثال ما للأب من البرّ، قال: وكان ذلك لصعوبة الحمل، ثم الوضع، ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأمّ، وتشقى بها، ثم تشارك الأب في التربية. اهـ.
والأمّ التي تحتاج إلى رعاية، تجب رعايتها على جميع أولادها، كل بحسبه، فلا يجوز لأخيك تجاهل أمر أمّك، وكأن الأمر لا يعنيه، ففي هذا نوع من العقوق.
ومن الغريب أن لا يرعاها، ولا يسمح مع ذلك للأقارب برعايتها، أو زيارتها، فينبغي أن ينصح في ذلك برفق، ويبين له ما يجب عليه تجاه أمّه.
والأصل أن أحد الوالدين، أو كلاهما إذا بلغا هذه السن، فإنهما يكونان في رعاية أولادهما، وكنفهما، لا أن يتخلصوا منهما، ومن حقوقهما بوضعهما في دار للمسنين، ونحو ذلك.
ودار الرعاية المذكورة -وإن كانت أشبه بالمستشفى-، إلا أن ترك الأمّ فيها مع العاملين في دار الرعاية، دون وجود بعض أولادها، أو أقاربها، قد لا يخلو من محذور، فلا يدرى نوع المعاملة التي يمكن أن تعامل بها، فقد تسبّ، أو تزجر، أو تضرب، فلا تتركوها في مثل هذه الدار على هذه الحال، إلا إذا كان هذا هو الحل الأمثل لحفظها من الضياع.
وأما كونها يبدو منها أنها غير مرتاحة في وجودها معك، أو في أي مكان آخر، فهذا أمر غير مستغرب ممن هو في مثل سنّها، مع الإصابة بمرض الزهايمر، فالمهم أن تختاروا لها المكان الذي تتوفر فيه الرعاية التامة لها.
والله أعلم.