الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا التصرف الذي ذكرتِه عن أمّك في الحقيقة مستغرب؛ لأن الأصل في الأمّ أن عندها مزيد عطف، وشفقة، وحرص على عيالها، فنرجو أن تلتمسي السبب الذي يحملها على ذلك، فقد لا يكون ما ذكرت من كون الأخريات لهنّ وظائف:
فإن كان أمرًا أساءت فهمه، بينتِه لها، وإن كان أمرًا يتطلب الاعتذار لها، اعتذرتِ لها، هذا مع الاجتهاد في الدعاء أن يصلح الله عز وجل الحال بينك وبينها.
وقد ذكر أهل العلم أنه يستحب للوالد -أبًا كان أمْ أمًّا- أن يسوي بين أولاده في كل شيء، وأنه يكره التفضيل بينهم؛ لأن ذلك أعون لهم على البر بهما، وأبعد لهم عن الوقوع في العقوق، قال ابن قدامة في المغني: ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب التسوية، وكراهة التفضيل، قال إبراهيم: كانوا يستحبون أن يسووا بينهم حتى في القُبَل. اهـ.
فما تفعله أمّك من اهتمامها بأخواتك دونك أنت، مما لا ينبغي لها فعله، وكذلك تعاملها معك على أنك مجرد طفلة لا تحسن التصرف، بل لو كان حالك كذلك، لكان عليها التوجيه، والتقويم.
وأما التفضيل في العطية خاصة، كما هو الحال فيما ذكرت من أمر الفستان، فالواجب عليها العدل بينكنّ في ذلك، ولا يجوز التفضيل إلا لحاجة، على الراجح من أقوال الفقهاء، وانظري لمزيد الفائدة الفتوى: 6242.
وكلامك مع أمّك لبيان الحقيقة لها إن كان بأدب، واحترام، ومن غير رفع صوت، ونحو ذلك -مما ليس فيه إغضاب لها-، فإنه لا حرج فيه، ولكن ينبغي أن تراعي المصلحة، فقد تكون المصلحة أحيانًا في السكوت.
وعلى كل؛ فعليك الصبر على أمّك، والدعاء لها بخير، وأن يرزقها الله الرشد، والصواب.
وإن وجدت رجلًا صالحًا تتزوجين منه، فهو أمر حسن، قد يكون عونًا لك في البعد عن هذه الإشكالات مع أمّك.
ويجوز شرعًا للمرأة أن تبحث عن الرجل الصالح، أو أن تعرض نفسها على من ترغب في زواجه منها، وقد ترجم البخاري في صحيحه: باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح.
وأورد تحته قصة الواهبة، وهي المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم للزواج منها، وذكر الحافظ ابن حجر في فوائد هذا الحديث: جواز عرض المرأة نفسها على الرجل، وتعريفه، رغبتها فيه، وأن لا غضاضة عليها في ذلك.... اهـ. وراجعي الفتوى: 18430.
والله أعلم.