الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأمر على ما ذكر من أن هنالك ضوابط لوجوب طاعة الوالدين فيما يأمران به أو ينهيان عنه، أهمها: أن يكون في غير معصية لله عز وجل، وأن يكون للوالدين في ذلك غرض صحيح، وألّا يكون فيما أمرا به أو نهيا عنه ضرر على الولد أو مشقة، ولمزيد الفائدة، راجع الفتوى: 76303.
والأصل وجوب طاعة الوالدين، وتقديمها على النوافل، إن منعا منها، فطاعة الوالدين فرض، فلا تعارض بالنافلة، ودليل ذلك قصة جريج الراهب، وهي ثابتة في الصحيحين، ولكن الحكم في هذا يختلف باختلاف الأحوال، فقد يكون الحامل للوالدين على ذلك ما ذكره الهيتمي من أن شرط ذلك التأذي: ألّا يصدر عن مجرد الحمق، ونحوه، فيكون مثلًا الداعي لذلك رقة دِين الوالدين، وجهلهما، ولا يحبان أن يكون الولد على شيء من التدين، فيطلبان تركه النوافل بالكلية، فلا تجب الطاعة في مثل هذا، ولا يلتفت إلى ما ذكر في هذه الحالة من الغضب، والسخط، والحزن من الوالدين، أو أحدهما؛ ولذلك قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري تعليقًا على قصة جريج: وفي الحديث أيضًا: عظم بر الوالدين، وإجابة دعائهما، ولو كان الولد معذورًا؛ لكن يختلف الحال في ذلك بحسب المقاصد. اهـ.
فتبين مما ذكرنا أن مقصود الهيتمي باشتراط ألّا يكون الدافع مجرد الحمق هو: ألّا يكون للوالدين غرض صحيح في المنع، أو مسوّغ مشروع.
وختامًا نقول: مهما أمكن الولد أن يرضي والديه، فليفعل.
ومن السبل لكسب رضاهما: أن يتودد لهما، ويتلطف بهما، ويداريهما بحيث يقنعهما بالموافقة على ما يريد أن يقدم عليه من نوافل الطاعات، وصالحات الأعمال، فيجمع بذلك بين الحسنيين. ولمزيد الفائدة، نرجو مطالعة الفتويين: 9210، 233401.
والله أعلم.