الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف المفسرون هل نزلت المائدة أم لم تنزل، واختلف القائلون بنزول بالمائدة في نوع العذاب الذي نزل بمن كفر بها.
جاء في زاد المسير لابن الجوزي: واختلف العلماء: هل نزلت أم لا؟ على قولين: أحدهما: أنها نزلت، قاله الجمهور. والقول الثاني: أنها لم تنزل، روى قتادة عن الحسن أن المائدة لم تنزل؛ لأنه لما قال الله تعالى: فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين. قالوا: لا حاجة لنا فيها. وروى ليث عن مجاهد قال: هذا مثل ضربه الله تعالى لخلقه، لينهاهم عن مسألة الآيات لأنبيائه، ولم ينزل عليهم شيء. والأول أصح.
وفي العذاب المذكور قولان:
أحدهما: أنه المسخ. والثاني: جنس من العذاب لم يعذب به أحد سواهم.
قال الزجاج: ويجوز أن يعجل لهم في الدنيا، ويجوز أن يكون في الآخرة.
وفي «العالمين» قولان: أحدهما: أنه عام. والثاني: عالمو زمانهم. اهـ.
وأما نكتة إبهام العذاب في الآية الكريمة: فلم نقف على كلام للمفسرين فيه، لكن من أغراض الإبهام التهويل والتعظيم، لتذهب النفوس كل مذهب ممكن في تفسير المبهم.
قال ابن عاشور في قوله تعالى: سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ {الأنعام:138}: وقد أبهم الجزاء للتهويل؛ لتذهب النفوس كل مذهب ممكن في أنواع الجزاء على الإثم. اهـ.
وقال ابن عاشور أيضا في قوله سبحانه: فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ {التوبة:24}: والأمر: اسم مبهم بمعنى الشيء والشأن، والمقصود من هذا الإبهام التهويل؛ لتذهب نفوس المهددين كل مذهب محتمل، فأمر الله: يحتمل أن يكون العذاب، أو القتل، أو نحوهما. اهـ.
والله أعلم.