الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمنزلة العفو عظيمة، وهي أفضل للمظلوم إلا في بعض المواطن التي يكون فيها عدم العفو أفضل لعارضٍ يترتب على العفو كاستطالة الظالم، وإصراره على الظلم، فإن الانتصار والحالة هذه أفضل، وقد بينا هذا في عدة فتاوى كالفتوى: 370027، والفتوى: 355846، والفتوى: 401320، والفتوى: 392812.
وما ذكرته أخي السائل من شدة الغيظ على الظالم، وامتلاء القلب منه، لا نرى أن هذا من العوارض التي تجعل عدم العفو أفضل، بل لعل العفو هنا أفضل؛ لما فيه من شدة مخالفة الهوى، وكسر النفس طاعة لله تعالى؛ ولذا جاء الشرع بالثواب العظيم لمن كظم الغيظ، والغيظ أشد الحنق، ففي الحديث: مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ. رواه أبو داوود وابن ماجه.
ولا علاقة لحديث: إن لنفسك عليك حقا. بعدم العفو، فإن المراد بحق النفس هنا كما قال شراح الحديث: مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ ضَرُورَةُ الْبَشَرِيَّةِ مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ لِلْإِنْسَانِ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَالرَّاحَةِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا بَدَنُهُ لِيَكُونَ أَعْوَنَ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ. كما في فتح الباري للحافظ ابن حجر.
وكذا حديث: إن الدين يسر. لا يعارض ما ذكرنا، ومن يسر الدين أنه لم يوجب عليك العفو عمن ظلمك، ولكن هذا لا يقتضي أن عدم العفو أفضل، فما جاء به الشرع مراتب، فالمؤاخذة جائزة، والعفو مستحب، ومرتبة العفو أفضل من مرتبة المؤاخذة.
والله أعلم.