الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتغير حال الإنسان من الغفلة والفتور، إلى الذكر والشكر، نعمةٌ عظيمةٌ، يجب أن تُشكر ويُحافظ عليها.
والمؤمن تسوؤه السيئة، ويخاف عقابها. وفي الحديث: إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ، وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ؛ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ. رواه الحاكم.
ولكن لا ينبغي أن تكون تلك الذنوب باعثا على الإحباط والقنوط من رحمة الله، وقد قال الله سبحانه وتعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {الزمر:53}.
وقد نزلت هذه الآية الكريمة في أناسٍ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ -كما في صحيح البخاري- كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا، وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا، فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ، لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً؛ فَنَزَلَ: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَلاَ يَزْنُونَ} [الفرقان: 68]، وَنَزَلَتْ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53].اهــ. وفي الحديث: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا؛ لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ. رواه مسلم.
فما تشعرين به أختي السائلة من الإحباط، وترك العمل للدنيا والآخرة. إن كان سببه الخوف من الذنوب والمعاصي، فهي -إن شاء الله تعالى- على سبيل المغفرة والعفو.
فلا مجال للإحباط في قلب المسلم الذي عرف ربه وسعةَ رحمته، والإفراطُ في الخوف قد يوقعك في اليأس والقنوط، وهما من الذنوب الكبائر؛ ففي الحديث: الكبائر: الشرك بالله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله. رواه البزار وصححه الألباني. قال الشيخ حافظ الحكمي -رحمه الله- في المنظومة الميمية، في الوصايا والآداب العلمية:
وَالخَوْفُ إِنْ زَادَ أَفْضَى لِلقُنُوطِ كَمَا ... يُفْضِي الرَّجَاءُ لأَمْنِ المَكْرِ وَالنِّقَمِ
فَلا تُفَرِّطْ وَلا تُفْرِطْ وَكُنْ وَسَطًا ... وَمِثْلَ مَا أَمَرَ الرَّحْمَنُ فَاسْتَقِمِ
فأقبلي على ربك بالطاعة، وأحسني الظن به، وخذي من دنياك قدر حاجتك، امتثالا لقوله سبحانه: فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ {الملك:15}، وقوله تعالى: ..وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ .. {القصص:77}.
والله أعلم.