الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصف بنت أبي جهل بعدو الله، وإنما نسبها لأبيها بلقبه الذي غلب على اسمه، ووصفه بوصفه الذي اشتهر به وهو عداوة الله ورسوله.
ولعل الحكمة من ذكر وصفه في ذلك السياق بعداوة الله ورسوله، هو بيان وجه استبعاد واستغراب الجمع بين بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبنت عدو الله. فهو جمع غير متناسب، فلو لم يذكر هذا الوصف لما ظهر وجه الاستبعاد، وليس المقصود تعيير، ولا سب ابنته كما هو واضح.
والدليل على أن ذلك لم يكن تعييرا، ما نهى عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه من سب الأموات الذي يتأذى منه قرابتهم من الأحياء.
قال العلامة محمد الخضر بن ما يأبى الشنقيطي في كوثر المعاني الدراري: وقال ابن رشيد ما محصله: إن السب ينقسم في حق الكافر وحق المسلم، أما الكافر فيمنع إذا تأذى به الحي المسلم، فعند أحمد والنَّسائي عن ابن عباس أن رجلًا من الأنصار وقع في أب للعباس كان في الجاهلية، فلطمه العباس، فجاء قومه وقالوا: والله لنلطمنه كما لطمه، فلبسوا السلاح، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فصعد المنبر فقال: "أيها الناس، أيُّ أهل الأرض أكرمُ عند الله؟ " قالوا: أنت، قال: "فإن العباس مني وأنا منه، فلا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا"، فجاء القوم فقالوا: يا رسول الله، نعوذ بالله من غضبك. انتهى.
ذكر حديث العباس هذا، الإمام أحمد في مسنده. وقال عنه المحقق أحمد شاكر: إسناده ضعيف، لضعف عبد الأعلى الثعلبي. اهـ
فلا دليل في كلامه -صلى الله عليه وسلم- على مشروعية سب أو إيذاء الأولاد أو الأقارب بمثالب آبائهم، أو أقاربهم.
فيبقى الأصل هو حرمة أذية المسلم وتعييره؛ سواء كان ذلك في معرض الخطبة أو في غيرها، إلا ما استثني من الغيبة في بعض الحالات لمقصد شرعي من المقاصد التي يباح فيها ذكر بعض عيوب الشخص لأجل التعريف، أو التحذير أو غيرها من المقاصد الشرعية المعروفة، والتي يدخل فيها السؤال عن حال المتقدم إلى خطبة امرأة، فإنه يشرع لها أو لأوليائها السؤال عن حاله، والتعرف على نسبه، وخلقه، وغير ذلك مما يحدد هويته.
ويلزم من سئل عن شيء من ذلك وكان يعلمه أن يبينه، ويخبر به من باب النصح للمسلم.
والله أعلم.