الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية الكريمة التي استفتح بها السائل سؤاله، لا تدل على أن الليل و النهار سخرهما الله عز وجل خصيصًا للبشر!! وإنما تدل على أن الله تعالى برحمته جعل في ذلك نفعاً للبشر، وهذا لا ينفي أن يكون في خلقهما حكمٌ وغايات أخرى، سواء علمنا ذلك أو لم نعلم.
ثم إن هذا محمول على ليل ونهار الأرض التي خوطب أهلها، وأما ليل ونهار سائر الكواكب فشيء آخر! وليس المشرق والمغرب قاصرًا على الأرض، بل لكل كوكب وجرم سماوي مشرق ومغرب، قال تعالى: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ * إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ [الصافات: 5، 6]، فذكر المشارق ثم أعقبها بذكر الكواكب. وقال سبحانه: فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ [المعارج: 40]، قال الجلال المحلي في تفسيره: {أقسم برب المشارق والمغارب} للشمس والقمر وسائر الكواكب. اهـ.
وقال ابن كثير في تفسيره: {فلا أقسم برب المشارق والمغارب} أي: الذي خلق السموات والأرض، وجعل مشرقًا ومغربًا، وسخر الكواكب تبدو من مشارقها، وتغيب في مغاربها. اهـ.
وقال البغوي في تفسيره: وقيل: كل موضع شرقت عليه الشمس فهو مشرق، وكل موضع غربت عليه الشمس فهو مغرب، كأنه أراد به رب جميع ما شرقت عليه الشمس وغربت. اهـ.
وقال الشيخ الشعراوي في الإعجاز القرآني: وقد يكون المقصود بها مشارق الأرض ومغاربها على كواكب المجموعة الشمسية المختلفة, فكل كوكب - مثله في ذلك مثل الأرض - تشرق عليه الشمس وتغرب. اهـ.
وقال الدكتور زغلول النجار: وكذلك الحال مع بقيه أجرام السماء، والتي نتيجة لتكورها ولدورانها حول محاورها، ولسبحها حول أجرام أكبر، فإن مشارقها ومغاربها تتعدد تعددًا كبيرًا، مع وجود نهايتين عظميين لكل من الشروق والغروب، ووجود اتجاهات أصليه لكل جرم سماوي تحدد له شرقه وغربه. من هنا جاءت الإشارة في كتاب الله الى كل من المشرق والمغرب بالإفراد وبالمثني وبالجمع، تأكيدًا على العديد من حقائق الأرض، وحقائق أجرام السماء، وهي حقائق لم تدرك إلا في زمن العلم الذي نعيشه. اهـ.
وبنحو ما سبق يتبين خطأ السائل في قوله: (الأهلة جعلها الله لنا نحن البشر ... ولولا ذلك ما خلق الله منازل القمر)!!! ففرق كبير بين كون البشر ينتفعون من تقدير الله تعالى لمنازل القمر، وبين كون هذه المنازل لم تخلق إلا لهم!
وكذلك الحال في الحكمة من الزلازل والبراكين والكسوف والخسوف، وكونها آيات يخوف الله بها عباده. فهذا صحيح، ولكن قصر الحكمة على ذلك، إنما هو مجرد فهم فهمه السائل، وليس الأمر كذلك.
وعلى أية حال، فالله تعالى يخلق ما لا نعلم من المخلوقات، وحكمته في ما علمنا من مخلوقاته لا تقتصر على ما علمنا منها، وقد قال تعالى: وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 8] قال الماوردي في النكت والعيون: فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: ما لا تعلمون من الخلق, وهو قول الجمهور.
الثاني: في عين تحت العرش، قاله ابن عباس.
الثالث: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها أرض بيضاء مسيرة الشمس ثلاثين يوماً. مشحونة خلقاً لا يعلمون أن الله يعصى في الأرض. قالوا: يا رسول الله؛ فأين إبليس عنهم؟ قال: لا يعلمون أن الله خلق إبليس. ثم تلا {ويخلق ما لا تعلمون}. اهـ.
وعلى ذلك فما زعمه السائل من كذب وكالات الفضاء لمحاربة الإسلام، وأن من يصدقهم يعد مكذبًا للقرآن، ومكذبا للأسباب .. ما هو إلا خطأ وتهويل.
والله أعلم.