الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالموظف مؤتمن على ما تحت يده، وعليه الالتزام بما أمر به في كيفية توزيع ذلك، وتقسيمه، ولا يتجاوز ما أذن له فيه نصا أو عرفا؛ لأن الإذن العرفي يجري مجرى الإذن اللفظي، وممن ذكر هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه القواعد النورانية، وتلميذه ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين.
ومما قال ابن تيمية ما نصه: الإذن العرفي في الإباحة أو التمليك أو التصرف بطريق الوكالة كالإذن اللفظي، فكل واحد من الوكالة والإباحة ينعقد بما يدل عليها من قول وفعل، والعلم برضى المستحق يقوم مقام إظهاره للرضا، وعلى هذا يخرج مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم عن عثمان بن عفان بيعة الرضوان -وكان غائبا- وإدخاله أهل الخندق إلى منزل أبي طلحة ومنزل جابر بدون استئذانهما لعلمه أنهما راضيان بذلك، ولما دعاه صلى الله عليه وسلم اللحام سادس ستة اتبعهم رجل فلم يدخله حتى استأذن اللحام الداعي، وكذلك ما يؤثر عن الحسن البصري أن أصحابه لما دخلوا منزله وأكلوا طعامه قال: ذكرتموني أخلاق قوم قد مضوا. وكذلك معنى قول أبي جعفر: إن الإخوان من يُدخل أحدهم يده في جيب صاحبه فيأخذ منه ما شاء.
ومن ذلك قول صلى الله عليه وسلم لمن استوهبه كبة شعر: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فقد وهبته لك. وكذلك إعطاؤه المؤلفة قلوبهم عند من يقول إنه أعطاهم من أربعة الأخماس.
وعلى هذا خرَّج الإمام أحمد بيع حكيم بن حزام وعروة بن الجعد لما وكله النبي -صلى الله عليه وسلم- في شراء شاة بدينار، فاشترى شاتين وباع إحداهما بدينار. فإن التصرف بغير استئذان خاص تارة بالمعاوضة، وتارة بالتبرع، وتارة بالانتفاع، مأخذه إما إذن عرفي في عام أو خاص. اهـ
وبناء عليه؛ فليس لك من التصرف في تلك الكتبيات ونحوها إلا ما أذن لك فيه نصا أو عرفا، ويمكنك الرجوع إلى جهة عملك، واستئذانها فيما أشكل عليك من ذلك؛ كدفع نسختين أو أكثر لموظف واحد، وكذلك كيفية التصرف في الزائد والمتبقي لديك؛ لأن بقاءه إلى آخر العام ربما يؤدي إلى فوات المنفعة منه وفساده.
وأخذك لنفسك من تلك النسخ يرجع فيه إلى ما ذكرناه من ضرورة وجود إذن نصي أو عرفي يخول لمن يتولى ذلك الأخذ لنفسه، أو تسأل الجهة المخولة بذلك.
والله أعلم.