الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى: 48988، أن جميع الحيوانات تحشر، ثم يقتص لبعضها من بعض، ثم تكون ترابا.
وأما الجنة ففيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فلا يمتنع أن يخلق الله لمريد شيء من الحيوانات في الجنة ما يشاء منها.
وأما ما كان منها في الدنيا، فإن مصيره ما قدمنا.
وأما الأثر المذكور، ففي معنى كونها من دواب الجنة أوجه، منها: أنها نزلت من الجنة، ومنها أن في الجنة ما يشبهها، ومنها أنها طعام أهل الجنة، ويتعين أحد هذه الأوجه جمعا بين النصوص.
قال القنازعي في شرح الموطأ: (فإنَّهَا مِن دَوَابِّ الجَنَّةِ)، يَعْنِي: هِيَ مِنْ طَعَامِ أَهْلِ الجَنَّةِ، قالَ اللهُ -جَلَّ وَعَزَّ- في أَهْلِ الجَنَّةِ: {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الطور: 22] يَعْنِي بهِ: لَحْمَ الضَّأنِ. انتهى.
وقال المناوي في التيسير: (الشَّاة من دَوَاب الْجنَّة) أَي الْجنَّة فِيهَا أشياه. وأصل هَذِه مِنْهَا، لَا أَنَّهَا تصير بعد الْموقف إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا تصير تُرَابا؛ كَمَا فِي الخبر. انتهى.
وقال الزرقاني في شرح الموطأ: (وَأَطِبْ) : نَظِّفْ (مُرَاحَهَا) -بِضَمِّ الْمِيمِ-: مَكَانَهَا الَّذِي تَأْوِي فِيهِ، وَالْأَمْرُ لِلْإِرْشَادِ وَالْإِصْلَاحِ، (وَصَلِّ فِي نَاحِيَتِهَا فَإِنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ)، أَيْ نَزَلَتْ مِنْهَا، أَوْ تَدْخُلُهَا بَعْدَ الْحَشْرِ، أَوْ مِنْ نَوْعِ مَا فِي الْجَنَّةِ بِمَعْنَى أَنَّ فِيهَا أَشْبَاهَهَا، وَشِبْهُ الشَّيْءِ يُكْرَمُ لِأَجْلِهِ، وَهَذَا مَوْقُوفٌ صَحِيحٌ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْرِمُوا الْمِعْزَى، وَامْسَحُوا بِرُغَامِهَا، فَإِنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ»، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، لَكِنَّهُ يُقَوِّيهِ هَذَا الْمَوْقُوفُ الصَّحِيحُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "«صَلُّوا فِي مَرَاحِ الْغَنَمِ، وَامْسَحُوا بِرُغَامِهَا، فَإِنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ»". قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رُوِيَ مَرْفُوعًا، وَمَوْقُوفًا وَهُوَ أَصَحُّ. انتهى.
والله أعلم.