الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن ظاهر من زوجته، ولم يجد عتق رقبة، ولم يستطع صيام شهرين متتابعين، وأراد أن يطعم ستين مسكينًا، فالراجح من مذاهب جماهير أهل العلم، أنه لا يجوز له مسّ زوجته قبل أن يطعم، قال ابن يونس المالكي في الجامع لمسائل المدونة: وكذلك حكم الإطعام إذا أطعم بعض المساكين، وإن لم يبق إلا مسكين واحد، ثم جامع، استأنف الطعام؛ لقوله تعالى: {قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}. انتهى.
وقال المرغيناني -الحنفي- في الهداية في شرح بداية المبتدي: وإن قرب التي ظاهر منها في خلال الإطعام، لم يستأنف؛ لأنه تعالى ما شرط في الإطعام أن يكون قبل المسيس، إلا أنه يمنع من المسيس قبله؛ لأنه ربّما يقدر على الإعتاق، أو الصوم، فيقعان بعد المسيس. والمنع لمعنى في غيره، لا يعدم المشروعية في نفسه. انتهى.
وقال الروياني -الشافعي- في بحر المذهب: ويكفرُ بالطعامِ قبلَ المسيسِ، لا يجوز المسيس قبل الإطعام، كما لا يجوز قبل العتق، والصوم. انتهى.
وقال ابن مفلح -الحنبلي- في المبدع: يَحْرُمُ وَطْءُ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ، إِذَا كَانَ بِالْعِتْقِ، أَوِ الصِّيَامِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِلْآيَةِ. وَكَذَا إِنْ كَانَ بِالْإِطْعَامِ، فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ؛ لِمَا رَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي ظَاهَرْتُ مِنِ امْرَأَتِي، فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ -يَرْحَمُكَ اللَّهُ-؛ فَقَالَ: رَأَيْتُ خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ، فَقَالَ: لَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَالنَّسَائِيُّ. انتهى.
أما من دفع كفارة الإطعام عن طريق شيك يحين ميعاد صرفه بعد أشهر - على مذهب من قال بجواز إخراج القيمة-، فلا نرى أن ذلك يبيح له مسّ زوجته التي ظاهر منها قبل صرف الشيك بالفعل، ودفعه إلى مستحقيه، وإلا يكون قد وقع في المحظور من مسّ زوجته قبل دفع الكفارة، على ما تقدم.
والله أعلم.