الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فخلاصة ما ذكرت عن زوجك - إن صحّ ذلك عنه -: أنه مقصّر فيما يجب عليه تجاهكِ، وتجاه أولادك في النفقة، والرعاية، ومسيء لعشرتكِ، مخالفًا في ذلك لما أمر الله سبحانه به في محكم كتابه، حيث قال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}، وهذه المعاشرة بالمعروف تحمل كل معنى حسن يكون من الزوج لزوجته، قولًا كان أم فعلًا، ويمكن مطالعة الفتوى: 134877.
وإذا كان زوجك قد درس الشريعة، فاللائق بمثله أن يكون قدوة صالحة لغيره، فمن لا يعمل بعلمه، قد يكون هذا العلم وبالًا عليه يوم القيامة، ومن تعلّم ولم يعمل بعلمه، فقد تشبّه باليهود، قال المناوي في فيض القدير: كان السلف -كسفيان بن عيينة- يقولون: من فسد من علمائنا، ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبّادنا، ففيه شبه من النصارى. اهـ.
وأولى ما نوصيك به: الصبر، فهو من أفضل ما يُتسلّى به عند البلاء، وما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر، ويكفي أن فيه تكفيرًا للسيئات، ورفعة للدرجات، وراجعي الفتوى: 18103.
ومما يعينك على الصبر: كثرة الذِّكر؛ فالذِّكر يطرد الشيطان، ويقمعه، ويكسره، ويرضي الرحمن عز وجل، ويزيل الهمّ والغمّ عن القلب، ويجلب للقلب الفرح، والسرور، كما ذكر ابن القيم في كتابه: الوابل الصيب، وهو يعدّد فوائد الذِّكر.
والدعاء خير سلاح، فتوجّهي لربّكِ، واسأليه الهداية لزوجكِ، وسلوكه سبيل الرشاد، وصلاح حاله؛ فصلاحه خير لكِ، ولولدكِ، وراجعي الفتوى: 119608، ففيها بيان آداب الدعاء وأسباب إجابته.
وأما دعاؤكِ عليه - وهو ظالم لك -، فجائز، ولكن العفو أفضل، كما بينا في الفتوى: 27841.
والدعاء على النفس منهي عنه، وأي خير ترجينه بدعائكِ على نفسكِ!
فالواجب عليكِ الانتهاء عن ذلك، وسؤال الله عز وجل العافية من كل بلاء، وراجعي الفتوى: 188093، والفتوى: 221788.
ونوصيكِ أيضًا بأن تسلّطي على زوجكِ بعض المقربين إليه، ومن لهم مكانة عنده؛ ليقوموا بنصحه، عسى أن ينفعه ذلك، ويثوب لرشده وصوابه، فإن تمّ ذلك، فالحمد لله، وإلا فارفعي الأمر للقضاء الشرعي، إن رأيتِ أن ذلك أصلح لكِ، ولا تقدمي على ذلك إلا بعد استشارة العقلاء والناصحين.
وننبه في الختام إلى أمرين:
الأول: أن نفقة الزوجة وأولادها واجبة على الزوج بالمعروف.
ولا يلزم الزوجة أن تنفق على نفسها، ولا على أولاده، ولو كانت غنية، إلا أن تشاء بطِيب نفس منها، وتراجع الفتوى: 19453، والفتوى: 9116.
الثاني: ليس من حقّ الزوج أن يدّعي حرمة عمل زوجته من غير دليل.
وادّعاؤه أنه لولا عمل زوجته؛ لكان هو صاحب النجاح والرزق، رجم بالغيب، وتدخل في أمر هو من شأن رب العالمين، فلا يجوز له ذلك، والأولى به أن يتوجه إلى ربّه، ويسأله من فضله، قال تعالى: وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا {النساء:32}.
والله أعلم.