الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالترغيب الوارد في التسبيح والذكر بعد الصلاة، لم يفرق فيه بين صلاة مقضية وصلاة مؤداة، بل إن لفظ (كل) الوارد في أغلب الأحاديث الواردة في ذلك، يدل دلالة واضحة على عدم التفريق بينهما؛ لحديث مسلم: معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن، دبر كل صلاة مكتوبة.. ثلاث وثلاثون تسبيحة..."
هذا في حالة ما إذا كانت فوائت يسيرة، فإن كانت فوائت كثيرة، فالمطلوب منك أن تتشاغل بقضائها، ولا تطالب حينئذ بالتسبيحات المسنونة بعد كل واحدة منها، ولا بالنوافل إلا بعد أن تقضيها وتبرأ ذمتك منها.
فإن قضيت ما في ذمتك منها، فلا بأس عندئذ بالإتيان بالتسبيحات أو غيرها من السنن والنوافل بعد آخر فائتة منها.
قال ابن قدامة في المغني: إذَا كَثُرَت الْفَوَائِتُ عَلَيْهِ يَتَشَاغَلُ بِالْقَضَاءِ, مَا لَمْ يَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ .. وَيَقْتَصِرُ عَلَى قَضَاءِ الْفَرَائِضِ, وَلَا يُصَلِّي بَيْنَهَا نَوَافِلَ, وَلَا سُنَنَهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاتَتْهُ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ, فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ, ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ, ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ, ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ. وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ صَلَّى بَيْنَهُمَا سُنَّةً.
وَلِأَنَّ الْمَفْرُوضَةَ أَهَمُّ, فَالِاشْتِغَالُ بِهَا أَوْلَى, إلَّا أَنْ تَكُونَ الصَّلَوَاتُ يَسِيرَةً, فَلَا بَأْسَ بِقَضَاءِ سُنَنِهَا الرَّوَاتِبِ, لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْفَجْرِ, فَقَضَى سُنَّتَهَا قَبْلَهَا. انتهى.
فإذا كان من عليه فوائت كثيرة يقتصر على قضاء الفرائض، ويترك صلاة النوافل والسنن الرواتب-وهي آكد من تسبيحات الصلاة- فتركه للتسبيحات من باب أولى.
والله أعلم.