الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت لا تعلم أن الإمام لم يخشع في صلاته، فلا تفتح على نفسك باب الوسوسة، وصلاتك صحيحة ولا تلزمك إعادتها.
بل لو علمت أن الإمام لم يخشع، فإن صلاتك صحيحة حتى عند شيخ الإسلام ابن تيمية، الذي يميل إلى أن الخشوع واجب، وتبطل الصلاة بتركه، فإنه -رحمه الله- يرى أن صلاة المأموم لا تبطل إذا فعل الإمام ما يرى المأموم بطلان الصلاة به.
فقد قال في الفتاوى الكبرى: وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ لَهَا صُورَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: أَنْ لَا يَعْرِفَ الْمَأْمُومُ أَنَّ إمَامَهُ فَعَلَ مَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، فَهُنَا يُصَلِّي الْمَأْمُومُ خَلْفَهُ بِاتِّفَاقِ السَّلَفِ، وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَغَيْرِهِمْ..... الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَيَقَّنَ الْمَأْمُومُ أَنَّ الْإِمَامَ فَعَلَ مَا لَا يَسُوغُ عِنْدَهُ: مِثْلَ أَنْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ، أَوْ النِّسَاءَ لِشَهْوَةٍ، أَوْ يَحْتَجِمَ، أَوْ يَفْتَصِدَ، أَوْ يَتَقَيَّأَ. ثُمَّ يُصَلِّيَ بِلَا وُضُوءٍ، فَهَذِهِ الصُّورَةُ فِيهَا نِزَاعٌ مَشْهُورٌ: فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ صَلَاةِ إمَامِهِ. كَمَا قَالَ ذَلِكَ مَنْ قَالَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: تَصِحُّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْآخَرُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ؛ بَلْ وَأَبِي حَنِيفَة، وَأَكْثَرُ نُصُوصِ أَحْمَدَ عَلَى هَذَا.
وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لَمَّا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ». اهــ.
والله أعلم.