الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يتقبل توبتك، وأن يمحو حوبتك.
ومن شروط التوبة من مظالم العباد -كسبِّهم بغير حق-: التحلل منهم بطلب العفو منهم، لأن السب فيه حقان؛ حق لله، فهذا يخرج العبد منه بالندم، والإقلاع، والعزم على عدم العودة إلى مثله.
وأما حق المظلوم، فلا يخرج منه الساب إلا بالتحلل، وطلب العفو.
وسوء العلاقة بينك وبين جارتك، لا يسقط عنك وجوب التحلل منها، إن سببتها بغير حق.
لكن إن كان سبك لها قصاصًا منها بقدر سبّها لك، أو كانت هي قد اقتصّت منك بأن ردّت عليك السب بمثله، أو أشد؛ فحينئذ لا حق لها عليك، جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: المستبّان ما قالا، فعلى البادئ، ما لم يعتد المظلوم. أخرجه مسلم.
قال النووي في شرحه: معناه: أن إثم السباب الواقع من اثنين، مختص بالبادئ منهما كله، إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار، فيقول للبادئ أكثر مما قال له.
واعلم أن سباب المسلم بغير حق حرام؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق. ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه، ما لم يكن كذبًا، أو قذفًا، أو سبًّا لأسلافه، فمن صور المباح أن ينتصر بـ"يا ظالم"، "يا أحمق"، أو "جافي"، أو نحو ذلك؛ لأنه لا يكاد أحد ينفك من هذه الأوصاف، قالوا: وإذا انتصر المسبوب، استوفى ظلامته، وبرئ الأول من حقه، وبقي عليه إثم الابتداء، أو الإثم المستحق لله تعالى، وقيل: يرتفع عنه جميع الإثم بالانتصار منه، ويكون معنى على البادئ: أي: عليه اللوم، والذم، لا الإثم. اهـ.
والله أعلم.