الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن تكفير المسلم بغير حق إثم، لكنه ليس كفرًا في كل حال.
وأما ما جاء في حديث ابن عمر، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه. متفق عليه. فالمراد به التغليظ، والتخويف، وليس معناه: أن القائل لأخيه: "يا كافر"، يكون كافرًا خارجًا من الملة، كما بيناه في الفتوى: 215911.
والتوبة من تكفير المسلم بغير حق، كالتوبة من سائر الذنوب المتعلقة بحقوق العباد، لا بدّ فيها من التحلل؛ لأن تكفير المسلم فيه حقّان:
حق لله، فهذا يخرج العبد منه بالندم، والإقلاع، والعزم على عدم العودة إلى مثله.
وأما حق المخلوق؛ فلا يخرج منه إلا بالتحلل، وطلب العفو، قال الغزالي: وأما مظالم العباد، ففيها أيضًا معصية، وجناية على حق الله تعالى؛ فإن الله تعالى نهى عن ظلم العباد أيضًا:
فما يتعلق منه بحقّ الله تعالى، تداركه بالندم، والتحسر، وترك مثله في المستقبل، والإتيان بالحسنات التي هي أضدادها:
فيقابل إيذاءه الناس بالإحسان إليهم.
ويكفّر غصب أموالهم بالتصدق بملكه الحلال.
ويكفّر تناول أعراضهم بالغيبة، والقدح فيهم بالثناء على أهل الدِّين، وإظهار ما يعرف من خصال الخير من أقرانه وأمثاله.
ويكفّر قتل النفوس بإعتاق الرقاب؛ لأن تلك إحياء؛ إذ العبد مفقود لنفسه موجود لسيده، والإعتاق إيجاد، لا يقدر الإنسان على أكثر منه، فيقابل الإعدام بالإيجاد.
وبهذا تعرف أن ما ذكرناه من سلوك طريق المضادة في التكفير، والمحو مشهود له في الشرع، حيث كفّر القتل بإعتاق رقبة.
ثم إذا فعل ذلك كله، لم يكفه ما لم يخرج عن مظالم العباد، ومظالم العباد إما في النفوس، أو الأموال، أو الأعراض، أو القلوب، أعني به الإيذاء المحض.
وأما الجناية على القلوب بمشافهة الناس بما يسوؤهم، أو بعيبهم في الغيبة، فيطلب كل من تعرض له بلسان، أو آذى قلبه بفعل من أفعاله، وليستحلّ واحدًا واحدًا منهم.
ومن مات، أو غاب، فقد فات أمره، ولا يتدارك إلا بتكثير الحسنات؛ لتؤخذ منه عوضًا في القيامة.
وأما من وجده، وأحلّه بطيب قلب منه، فذلك كفارته، ومهما ذكر جنايته، وعرفه المجني عليه، فلم تسمح نفسه بالاستحلال، بقيت المظلمة عليه، فإن هذا حقّه، فعليه أن يتلطف به، ويسعى في مهماته، وأغراضه، ويظهر من حبّه، والشفقة عليه ما يستميل به قلبه؛ فإن الإنسان عبد الإحسان، وكل من نفر بسيئة مال بحسنة، فإذا طاب قلبه بكثرة تودده، وتلطفه سمحت نفسه بالإحلال، فإن أبى إلا الإصرار، فيكون تلطفه به، واعتذاره إليه من جملة حسناته التي يمكن أن يجبر بها في القيامة جنايته.
وليكن قدر سعيه في فرحه وسرور قلبه بتودده، وتلطفه، كقدر سعيه في أذاه، حتى إذا قاوم أحدهما الآخر، أو زاد عليه، أخذ ذلك منه عوضًا في القيامة بحكم الله به عليه، كمن أتلف في الدنيا مالًا، فجاء بمثله، فامتنع من له المال من القبول، وعن الإبراء، فإن الحاكم يحكم عليه بالقبض منه شاء أم أبى، فكذلك يحكم في صعيد القيامة أحكم الحاكمين، وأعدل المقسطين. اهـ. باختصار.
وأما تارك الصلاة تهاونًا وكسلًا: فليس بكافر عند جماهير العلماء، ومن قال بكفره من أصحاب المذاهب -كالحنابلة-، فالمعتمد عندهم: أنه لا يكفر بمجرد الترك، بل لا بد من دعوته من قِبل الإمام، وراجع تفاصيل الخلاف في الفتوى: 130853.
فمن الخطأ الكبير جرأة العامي على تكفير المعين تارك الصلاة.
والله أعلم.