الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الوصية بهذا السياق لم نقف عليها في كتب أهل السنة، وعلى كل حال: فإن نهي علي -رضي الله عنه- عن التمثيل بقاتله مشهور، وهو محل اتفاق بين أهل السير.
قال ابن جرير في كتابه: (تهذيب الآثار): أهل السير لا تدافع بينهم أن عليًّا -رضوان الله عليه- إنما أمر بقتل قاتله قصاصًا، ونهى عن أن يمثل به. اهـ
فقد أخرج البيهقي في السنن الكبرى: عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عليا، رضي الله عنه قال في ابن ملجم بعدما ضربه: أطعموه , واسقوه , أحسنوا إساره , فإن عشت فأنا ولي دمي , أعفو إن شئت وإن شئت استقدت , وإن مت فقتلتموه فلا تمثلوا.
وروى الطبراني في المعجم الكبير حكاية طويلة في قصة مقتل علي -رضي الله عنه- ، وفيها: قال علي للحسن رضي الله عنهما: إن بقيت رأيت فيه رأيي، وإن هلكت من ضربتي هذه فاضربه ضربة، ولا تمثل به، فإني سمعت رسول الله عليه وسلم: «ينهى عن المثلة ولو بالكلب العقور» قال الهثيمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني، وهو مرسل، وإسناده حسن.
وعن الشعبي قال: لما ضرب ابن ملجم عليا تلك الضربة أوصى به علي فقال: «قد ضربني فأحسنوا إليه، وألينوا له فراشه، فإن أعش فهضم أو قصاص، وإن أمت [فعاجلوه]، فإني مخاصمه عند ربي عز وجل» أخرجه الحاكم في المستدرك تحت باب: ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بأصح الأسانيد.
وقال الدكتور علي الصلابي في كتابه (علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - شخصيته وعصره):
وقد جاء في شأن وصية أمير المؤمنين بأمر قاتله روايات كثيرة تتفاوت، منها الصحيح ومنها الضعيف، فالرواية التي فيها أمر علي -رضي الله عنه- بإحراق الشقي بعد قتله إسنادها ضعيف، والروايات الأخرى تسير في اتجاه واحد فكلها فيها أمر علي بقتل الرجل إن مات من ضربته، ونهاهم عما سوى ذلك، فهذه الروايات يعضد بعضها، وتنهض للاحتجاج بها .اهـ.
والله أعلم.