الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن الخطأ البيِّن أن نحاكم النصوص الشرعية على تصوراتنا، وحدود علمنا، ويتأكد ذلك في شأن الغيب الذي لم نشهده، ولا نعلم حقيقته وتفاصيله، وقد قال الله تعالى: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ [الكهف:51]، ومعناه: ما أشهدتهم خلقها، فيحيطون علمًا بغيبها؛ لاختصاص الله بعلم الغيب دون خلقه. كما ذكره الماوردي احتمالًا في تفسيره النكت والعيون.
ثم إن مسألة الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض، وترتيب الخلق فيها، كل ذلك محل خلاف عريض بين أهل العلم قديمًا وحديثًا، ومن المعروف أن أيام الدنيا تقدّر بحركة الأرض والشمس، ولم تكن هذه الفلاك قد خلقت بعد؛ ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى-: لا ريب أن تلك الأيام التي خلقت فيها السماوات والأرض غير هذه الأيام، وغير الزمان الذي هو مقدار حركة هذه الأفلاك. وتلك الأيام مقدرة بحركة أجسام موجودة قبل خلق السماوات والأرض. اهـ.
وراجعي في تفصيل ذلك الفتاوى: 15819، 22344، 356428، 128648.
وأما مسألة خلق السماوات رغم كبرها في يومين، وخلق الأرض في أربعة أيام، فقد سبق أن تعرضنا لها في الفتوى: 410041.
والله أعلم.