الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما من شك في كون القرآن معجزًا في ألفاظه، وتركيبه، ومعجزًا في ما اشتمل عليه من معان، وقد يدرك البشر وجوه هذا الإعجاز، وقد يجهلونه، وما علمه الناس لا يساوي شيئًا بالإضافة إلى ما جهلوا منه، ولكن تبقى هذه الحقيقة ماثلة، وهي قول الله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا {الإسراء:88}، وراجع الفتوى: 27843، والفتوى: 31812 هذا من حيث العموم.
وبخصوص الآية المسؤول عنها، وهي قول الله تعالى: فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ {الأعراف:131}، فقد ذكر الطاهر بن عاشور في تفسيره: "التحرير والتنوير": جيء في جانب الحسنة بإذا الشرطية؛ لأن الغالب في "إذا" الدلالة على اليقين بوقوع الشرط، أو ما يقرب من اليقين، كقولك: إذا طلعت الشمس فعلت كذا؛ ولذلك غلب أن يكون فعل الشرط مع "إذا" فعلًا ماضيًا؛ لكون الماضي أقرب إلى اليقين في الحصول من المستقبل...
وجيء في جانب السيئة بحرف "إن"؛ لأن الغالب أن تدل "إن" على التردد في وقوع الشرط، أو على الشك، ولكون الشيء النادر الحصول غير مجزوم بوقوعه، ومشكوكًا فيه، جيء في شرط إصابة السيئة بحرف "إن"؛ لندرة وقوع السيئات أي: المكروهات بالنسبة إلى الحسنات، أي: النعم. انتهى المقصود، ويراجع الجزء الخامس صفحة 64-65 لتمام الفائدة.
والله أعلم.