الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يستوي قول الكفر مع سماعه في الحكم، إلا إذا كان المستمع مُقِرًّا، أو راضيًا به.
وتقرير ذلك يشكل عليه فهم بعض الناس للمثلية المذكورة في قوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ [النساء:140]، فكان بيان المراد بهذه المثلية هو معتمدنا في الفتوى التي ذكرها السائل، وتجد فيها الإحالة على الفتويين: 131228، 125259 لبيان معنى الآية من كلام الإمام الطبري، والطاهر ابن عاشور في التحرير والتنوير.
ثم لا يخفى أن نفي الكفر لا يعني نفي الإثم؛ ولذلك تجد فيها أيضًا الإحالة على الفتوى: 135734 لبيان أن مشاهدة هذه الأشياء لمجرد التسلي مع اعتقاد بطلانها، لا ينفع صاحبه في رفع الإثم، ولكنه ينفعه في رفع الكفر، ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى: 130930.
وهنا ننبه على أن قراءة وحكاية أحوال الحضارات الوثنية، ونحوها، إن كان له مقصد شرعي، فإن الأمر لا يقتصر على رفع الإثم فقط، بل يكون ذلك من جملة المشروع، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة: أنهم كانوا يتحدثون، فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون، ويتبسم النبي صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي عياض في إكمال المعلم: فيه جواز الخبر والحديث عن أخبار الجاهلية وغيرها من الأمم، وجواز الضحك. اهـ. وقال في موضع آخر: دليل على جواز التحدث بأخبار الزمان، وأمور الأمم. اهـ. وتبعه على ذلك طائفة من الشراح، كالنووي، والطيبي في شرح المشكاة.
وقال القاري في مرقاة المفاتيح: (فيأخذون في أمر الجاهلية) أي: على سبيل المذمة، أو بطريق الحكاية؛ لما فيها من فائدة، وغيره، من جملته أنه قال واحد: ما نفع أحدًا صنمه مثلما نفعني. قالوا: كيف هذا؟ قال: صنعته من الحيس، فجاء القحط، فكنت آكله يومًا فيومًا. وقال آخر: رأيت ثعلبين جاءا وصعدا فوق رأس صنم لي، وبالا عليه، فقلت: أرب يبول الثعلبان برأسه .. اهـ.
والله أعلم.