الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن وجد شيئًا ذا قيمة في حافلة عامة، يلزمه تعريفه؛ كأن يخبر الناس الذين معه في الباص بوجود لقطة، أو يخبر صاحب الباص بأنه وجد لقطة به، فقد تكون لمن ركب قبله الباص، ونسيها به، ويدع لديه رقم هاتفه، أو وسيلة تواصل معه، هذا في حال ما إذا لم يترك اللقطة لدى صاحب الباص؛ لأن صاحب اللقطة غالبًا سيراجع صاحب الباص، ويسأله، أو يسأل جهة عمله، إن كان الباص تابعًا لشركة، ونحوها، وقد يدع لديهم عنوانه.
وإن كنت لم تفعل ذلك، فحاول التواصل مع صاحب الباص لإعلامه، أو إعلام الجهة التي يتبع لها، لعل صاحب النظارات يسألهم، أو يكون قد أوصاهم، وترك لديهم وسيلة للتواصل معه، فإن عرّفتها حولًا كاملًا بما بيناه ونحوه مما فيه مظنة لوجود صاحبها، فيمكنك بعدئذ أن تتصدق بها عن صاحبها، أو تبيعها، وتتصدق بثمنها عنه.
والأصل في اللقطة حديث زيد بن خالد -رضي الله عنه- قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة، فقال: اعرف عفاصها، ووكاءها، ثم عرّفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها. إلى آخر الحديث، وهو في البخاري، وغيره.
واختلف العلماء في جواز انتفاعك بها إذا أخّرت تعريفها جهلًا، أو نسيانًا، ونحوه، قال ابن قدامة في المغني: فَصْلٌ: وَإِنْ تَرَكَ التَّعْرِيفَ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِعَجْزِهِ عَنْهُ، مِثْلُ أَنْ يَتْرُكَهُ لِمَرَضٍ, أَوْ حَبْسٍ, أَوْ نِسْيَانٍ, وَنَحْوِهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا لَوْ تَرَكَهُ مَعَ إمْكَانِهِ؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَهُ فِي الْحَوْلِ سَبَبُ الْمِلْكِ، وَالْحُكْمُ يَنْتَفِي لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ، سَوَاءٌ انْتَفَى لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ.
وَالثَّانِي، أَنَّهُ يُعَرِّفُهُ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي، وَيَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ التَّعْرِيفَ عَنْ وَقْتِ إمْكَانِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَرَّفَهُ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ. انتهى.
والله أعلم.