الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمثل هذه العبارات -وإن كانت مذمومة لما فيها من التسخط، والجزع من أقدار الله جل وعلا، وسوء الأدب مع الله-، إلا أنها بمجردها ليست شركًا أكبر، فغالًبا ما يكون نداء الزمان، وإضافة الأقدار إليه من باب التجوز في العبارة.
لكن لو فرضنا أن قائلها يقصد أن الزمان هو الفاعل باستقلال، فهذا شرك أكبر -وهذا لا يكاد يُتصور صدوره من مسلم-، قال ابن عثيمين: وسب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يقصد الخبر المحض دون اللوم، فهذا جائز، مثل أن يقول: تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده، وما أشبه ذلك؛ لأن الأعمال بالنيات، ومثل هذا اللفظ صالح لمجرد الخبر، ومنه قول لوط عليه الصلاة والسلام: {هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود:77].
الثاني: أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل، كأن يعتقد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلب الأمور إلى الخير والشر؛ فهذا شرك أكبر؛ لأنه اعتقد أن مع الله خالقًا؛ لأنه نسب الحوادث إلى غير الله، وكل من اعتقد أن مع الله خالقًا، فهو كافر، كما أن من اعتقد أن مع الله إلها يستحق أن يعبد، فإنه كافر.
الثالث: أن يسب الدهر لا لاعتقاد أنه هو الفاعل، بل يعتقد أن الله هو الفاعل، لكن يسبه لأنه محل لهذا الأمر المكروه عنده؛ فهذا محرم، ولا يصل إلى درجة الشرك، وهو من السفه في العقل، والضلال في الدين؛ لأن حقيقة سبه تعود إلى الله سبحانه؛ لأن الله تعالى هو الذي يصرف الدهر، ويكون فيه ما أراد من خير أو شر، فليس الدهر فاعلًا، وليس هذا السب يكفر؛ لأنه لم يسب الله تعالى مباشرة. اهـ. من القول المفيد. وراجع الفتوى: 49332.
ثم إن مجرد النقل لا يستلزم الإقرار، فناقل الكفر ليس بكافر، إلا إن كان مقرًّا لما ينقل معتقدًا إياه راضيًا به، فقد قال ابن مفلح في الفروع: ولا يكفر من حكى كفرًا سمعه، ولا يعتقده، ولعل هذا إجماع. اهـ.
وعلى كل حال؛ فإن كان الرجل ذا دين وخُلُق، فلا نرى أن من الحكمة فسخ خطبته لمجرد نقله لمثل هذا الكلام في صفحته! بل حقه أن يعلَّم، وينبَّه، ويناصَح.
والله أعلم.