الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المشهور في سبب نزول قوله تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ {آل عمران:79-80}، هو نزولها في نصارى نجران.
فقد أخرج الطبري في تفسيره عن ابن عباس قال: قال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ودعاهم إلى الإسلام: أتريد يا محمد أن نعبدك، كما تعبد النصارَى عيسى ابن مريم؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الرِّبِّيس: أوَ ذاك تريد منا يا محمد، وإليه تدعونا! أو كما قال. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: معاذَ الله أن نَعبُد غيرَ الله، أو نأمر بعبادة غيره! ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني أو كما قال. فأنزل الله -عز وجل- في ذلك من قولهم: "ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوّة"، الآية إلى قوله: "بعد إذ أنتم مسلمون". اهـ
وأما وجه قوله تعالى: بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ {آل عمران:80}، والآية نازلة في النصارى، فالجواب أن المراد بوصفهم بالإسلام هنا هو استعدادهم للدخول في دين الإسلام. قال الطيبي في حاشيته على الكشاف: ويجوز أن يقال للنصرانيين رداً لقولهما: أتريد أن نعبدك (أَيَامُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ): منقادون مستعدون لقبول الدين الحق، إرخاء للعنان واستدراجاً. اهـ.
وأما أهل الكتاب اليهود والنصارى، فلم يأت في القرآن الكريم وصف بأنهم مسلمون حقيقة.
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وقيل الخطاب للمسلمين بناء على ظاهر قوله: إذ أنتم مسلمون؛ لأن اليهود والنصارى لم يوصفوا بأنهم مسلمون في القرآن، فهذا الذي جرأ من قالوا: إن الآية نزلت لقول رجل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ألا نسجد لك» ، ولا أراه- لو كان صحيحا- أن تكون الآية قاصدة إياه؛ لأنه لو أريد ذلك لقيل: ثم يأمر الناس بالسجود إليه .اهـ.
وأما سبب النزول الذي سألت عن صحته: فقد روي مرسلا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- والمرسل من أنواع الحديث الضعيف.
فقد أخرجه عبد بن حميد -كما عزاه إليه ابن حجر في (العجاب في بيان الأسباب) والسيوطي في (الدر المنثور): عن روح عن عوف عن الحسن: بلغني أن رجلًا قال: يا رسول الله: نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك؟ قال: "لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله"، فأنزل الله عز وجل هذه الآية إلى قوله: {بِأَنَّا مُسْلِمُون} .
قال الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف: غَرِيب .اهـ.
والله أعلم.