الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أنك تسأل عن سبب كسر همزة إن في قوله تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ {الفرقان:20}.
والجواب أنه قيل في توجيه كسر همزة "إن" أقوال: فقيل كسرت هنا بسبب اللام الداخلة على خبرها" ليأكلون الطعام".
قال النسفي في مدارك التنزيل: كسرت إن لأجل اللام في الخبر، والجملة بعد إلا صفة لموصوف محذوف. والمعنى وما أرسلنا قبلك أحداً من المرسلين إلا آكلين وماشين. انتهى.
وقال ابن فورك في تفسيره: وكسرت الهمزة في {إِلَّا إِنَّهُمْ} لأنه موضع ابتداء، كأنه قال إلا هم يأكلون الطعام، كما تقول: ما قدم علينا أمير إلا إنه مكرم لي. ولا يجوز أن يكون كسرها لأجل اللام؛ لأن دخولها وخروجها واحد في هذا الموضع. انتهى.
وقال ابن الجوزي في زاد المسير: فإن قيل: لم كسرت «إنّهم» ها هنا، وفتحت في براءة في قوله تعالى: أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ. فقد بيّنّا عِلَّة فتح تلك. فأما كسر هذه، فذكر ابن الأنباري فيه وجهين:
أحدهما: أن تكون فيها واو للحال مضمرة، فكسرت بعدها «إِنّ» للاستئناف، فيكون التقدير: إلّا وإنّهم ليأكلون الطعام، فأضمرت الواو ها هنا، كما أضمرت في قوله تعالى: أَوْ هُمْ قائِلُونَ. والتأويل، أو وهم قائلون.
والثاني: أن تكون كُسرت لإِضمار «مَنْ» قبلها، فيكون التقدير: وما أرسلنا قبلكَ من المرسَلين إِلا مَنْ إِنهم ليأكلون. انتهى.
وقد ذكر أن سبب فتح الهمزة في آية براءة: أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ {التوبة:54}.
عن ابن الانباري: "«أن» هاهنا مفتوحة، لأنها بتأويل المصدر مرتفعة ب «منعهم». والتقدير: وما منعهم قبول النفقة منهم إلا كفرهم بالله" انتهى.
وعلى كل، فالهمزة هنا مكسورة لمقتض من مقتضيات كسرها. وقد بينا مواضع كسر همزة "إنَّ" وفتحها في الفتوى: 17675
والله أعلم.