الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن لك أسئلة كثيرة تسبح في فلك إثارة الشبهات حول القرآن العظيم والسنة الثابتة.
وكان من دأب الأئمة تقريع متتبعي الشبهات وتوبيخهم والإعراض عن مناقشتهم.
قال ابن تيمية -حاكيا طريقة الصحابة ومن اتبعهم بإحسان-: كانوا إذا رأوا من يسأل عن المتشابه، بالغوا في كفه تارة بالقول العنيف؛ وتارة بالضرب، وتارة بالإعراض الدال على شدة الكراهة لمسألته.
ولذلك لما بلغ عمر -رضي الله عنه- أن صبيغا يسأل عن المتشابه، أعد له عراجين النخل، فبينما عمر يخطب، قام فسأله عن: {والذاريات ذروا} {فالحاملات وقرا} وما بعدها. فنزل عمر فقال: "لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك بالسيف" ثم أمر به فضرب ضربا شديدا، وبعث به إلى البصرة، وأمرهم أن لا يجالسوه، فكان بها كالبعير الأجرب، لا يأتي مجلسا إلا قالوا: "عزمة أمير المؤمنين" فتفرقوا عنه حتى تاب، وحلف بالله ما بقي يجد مما كان في نفسه شيئا، فأذن عمر في مجالسته، فلما خرجت الخوارج أتي فقيل له: هذا وقتك، فقال: لا، نفعتني موعظة العبد الصالح.
ولما سئل "مالك بن أنس" -رحمه الله تعالى- فقيل له: يا أبا عبد الله {الرحمن على العرش استوى} كيف استوى؟ فأطرق مالك وعلاه الرحضاء -يعني العرق- وانتظر القوم ما يجيء منه فيه. فرفع رأسه إلى السائل وقال: " الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأحسبك رجل سوء". وأمر به فأخرج. اهـ.
فنأمل منك الكف عن مثل هذه الأسلئة.
وإن كنت صادقة في طلب الحق، ساعية في كشف شبهة عرضت لك -دون تتبع للشبهات وتجميع لها-، فدونك المواقع المتخصصة في مناقشة الشبهات.
وأما موقعنا فهو متخصص في إسعاف المستفتين فيما يحتاجونه من العبادات والمعاملات الشرعية والعقيدة، ونحوها مما له علاقة بالفتوى والأحكام الشرعية.
وعلى كل حال: فكون العناكب تستخدم ما تنسجه للصيد، ليس فيه أدنى معارضة للآية الكريمة، وهو أصلا ليس من مكتشفات العلم الحديث، بل هو أمر مشاهد منذ القدم، ومذكور في كتب الحيوان التراثية، ككتاب الحيوان للجاحظ (المتوفى: 255هـ) و كتاب: حياة الحيوان الكبرى للدميري،(المتوفى: 808هـ).
ثم: أين في الآية الكريمة التصريح بأن العناكب تعيش وسط ما تنسجه؟ وتسمية نسج العنكبوت بيتا لا يلزم منه أنها تعيش فيه أبدا لا تفارقه. وهذا أيضا أمر مشاهد لا يفتقر في إثباته إلى العلم الحديث أصلا.
لكن ضعف اليقين مع قلة العلم، يقودان المرء إلى الاعتراض على آيات التنزيل بهذه الشبهات الواهية التي هي أوهن من بيت العنكبوت!
والله أعلم.