الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس للمرء أن يأخذ أكثر من حقه الثابت. وإن كان يدعي شيئا، فليثبته لدى الجهات المختصة بالفصل في الخصومات. والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو يُعطَى الناس بدعواهم؛ لادعى رجال دماء قوم وأموالهم، لكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر. رواه الترمذي والبيهقي وبعضه في الصحيحين، كما قال الإمام النووي.
ومسألة أخذ المرء من مال غيره دون إذنه إذا جحد حقه وظلمه، ولم يستطع الوصول إلى حقه إلا بالحيلة. هذه هي المسألة التي يسميها الفقهاء بالظفر، ويرى بعضهم مشروعيته.
قال الإمام القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]: والصحيح جواز ذلك كيف ما توصل إلى أخذ حقه ما لم يعد سارقاً. وهو مذهب الشافعي، وحكاه الداودي عن مالك. وقال به ابن المنذر واختاره ابن العربي، وأن ذلك ليس خيانة، وإنما هو وصول إلى حق، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. وأخذ الحق من الظالم نصر له.
وقال: واختلفوا إذا ظفر له بمال من غير جنس ماله.. فقيل: لا يأخذ إلا بحكم الحاكم، وللشافعي قولان، أصحهما الأخذ، قياسًا على ما لو ظفر بجنس ماله، والقول الثاني: لا يأخذ؛ لأنه خلاف الجنس، ومنهم من قال: يتحرى قيمة ما له عليه، ويأخذ مقدار ذلك، وهذا هو الصحيح لما بيناه من الدليل. اهـ.
وعلى هذا؛ فمن أخذ حقه من ظالم ممتنع من أداء ما عليه، ولا بيَّنه له، فيجب عليه أن يتحرى الدقة، ولا يتجاوز الحق الثابت له.
والله أعلم.