الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الحديث بهذا السياق غير صحيح، فقد ضعفه ابن القيم نفسه عقب إيراده له في كتابه الروح فقال: فإن قيل فقد قال أبو الشيخ: حدثنا الحسين بن محمد بن إبراهيم، أنبأنا إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن السدي عن أبي مالك عن ابن عباس، قال: بعثت قريش عقبة بن أبي معيط وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة إلى يهود المدينة ... الحديث.
قيل مثل هذا الإسناد لا يحتج به؛ فإنه من تفسير السدي عن أبي مالك. وفيه أشياء منكرة، وسياق هذه القصة في السؤال من الصحاح والمسانيد كلها تخالف سياق السدي. وقد رواها الأعمش والمغيرة بن مقسم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: مر النبي على ملأ من اليهود وأنا أمشي معه فسألوه عن الروح، قال: فسكت، فظننت أنه يوحي إليه، فنزلت: {ويسألونك عن الروح}، يعني اليهود، قل الروح من أمر ربي وما أوتوا من العلم إلا قليلا. وكذلك هي في قراءة عبد الله، فقالوا: كذلك نجد مثله في التوراة، أن الروح من أمر الله عز وجل. رواه جرير بن عبد الحميد وغيره عن المغيرة.
وروى يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: أتت اليهود إلى النبي فسألوه عن الروح فلم يجبهم النبي بشيء، فأنزل الله عز وجل: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}.
فهذا يدل على ضعف حديث السدي، وأن السؤال كان بمكة، فإن هذا الحديث وحديث ابن مسعود صريح في أن السؤال كان بالمدينة مباشرة من اليهود ولو كان قد تقدم السؤال والجواب بمكة، لم يسكت النبي ولبادر إلى جوابهم بما تقدم من إعلام الله له وما أنزله عليه. انتهى.
والله أعلم.