الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن كل قرض لا يخلو من منفعة ما للمقرض والمقترض، فأحيانا قد يقرض الشخص ماله حماية له من الضياع، كما في مسألة السفتجة مثلا، فلا يمنع من أجل هذه المنفعة. قال ابن القيم: وإن كان المقرض قد ينتفع أيضا بالقرض، كما في مسألة السفتجة ولهذا كرهها من كرهها، والصحيح أنها لا تكره، لأن المنفعة لا تخص المقرض، بل ينتفعان بها جميعا. اهـ هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإنما تمنع المنفعة المشروطة عند القرض، كأن يقرضه بشرط أن يؤجره بيته أو دكانه أو يزوجه بنته ونحو ذلك. جاء في "المصنف" عن ابن سيرين قال: أقرض رجل رجلا خمسمائة درهم واشترط عليه ظهر فرسه، فقال ابن مسعود: ما أصاب من ظهر فرسه فهو ربا. اهـ. ومن المفيد هنا نقل ما قاله الشلبي الحنفي في حاشيته على تبيين الحقائق حيث قال: قال الكرخي في مختصره في كتاب الصرف : وكل قرض جر منفعة لا يجوز، مثل أن يقرض دراهم غلة على أن يعطيه صحاحا أو يقرض قرضا على أن يبيع به بيعا، لأنه روي أن كل قرض جر نفعا فهو ربا، وتأويل هذا عندنا أن تكون المنفعة موجبة لعقد القرض مشروطة فيه، وإن كانت غير مشروطة فيه فاستقرض غلة فقضاه صحاحا من غير أن يشترط عليه جاز. وذكر القدوري في شرحه: والذي حكي عن أبي حنيفة أنه أقرض رجلا مالا ثم جاء ليقضيه فلم يقف في ظل حائطه، ووقف في الشمس حتى خرج إليه فلا أصل له، و أبو حنيفة أفقه من ذلك، لأن الوقوف تحت الحائط ليس بمنفعة تملك ولا أوجبها القرض، ولو منع من ذلك لمنع من الجلوس في سراجه لأنه انتفاع به، وهذا لا شبهة فيه. وجاء في "أسنى المطالب": قوله: كل قرض جر منفعة فهو ربا، أي شرط فيه ما يجر إلى المقرض منفعة. اهـ. وجاء في "شرح البهجة": وإن أهدى إليه المقترض شيئا بغير شرط أخذه جوازا بلا كراهة، قال الماوردي: والتنزه عنه أولى. وجاء في سبل السلام في شرحه حديث "أعطه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء" رواه مسلم قال: والحديث دليل على جوازه وأنه يستحب لمن عليه دين من قرض أو غيره أن يرده أجود من الذي عليه.. ولا يدخل في القرض الذي يجر منفعة، لأنه لم يك مشروطا من المقترض وإنما ذلك تبرع من المستقرض. اهـ. وبما تقدم يعلم السائل أنه لا بأس أن يقرض رئيسه في العمل بقصد القرض الحسن، وإذا كافأه رئيسُه على معروفه هذا، فلا شيء فيه ولا حرج، وفي الحديث: من صنع إليكم معروفا فكافئوه. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما. والله أعلم.