الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في الفتوى: 174545. أنه يجوز إدخال المؤثرات الصوتية، أو ما يعرف بالصدى على تسجيلات القرآن المجيد، إن كان ذلك مما يزيد الصوت جمالا مع الحفاظ على الجلالة الواجبة للقرآن، ونضيف هنا فنقول: لا حرج في الأصل في عمل تلك المؤثرات الصوتية، ما لم تخرج بالقراءة عن الحد المشروع؛ كأن تشبه ألحان المغنين وأصواتهم، أو يترتب على الصدى زيادةٌ في الحروف بسبب التكرار، وكذا ما لم يترتب عليه صوت قوي يؤذي المصلين، كما هو الحال في بعض المساجد، فإذا خلت المؤثرات الصوتية، أو الصدى من تلك المحاذير، فلا حرج في استعمالها.
وقد نبه بعض العلماء إلى عدم المبالغة فيها؛ حذرا من تلك المحاذير، بل أفتى بعضهم بمنعها، ونحن نرى جوازها بتلك الضوابط.
قال الشيخ عبد الرحمن البراك -حفظه الله تعالى-:
مكبّرات الصَّوت هي وسيلةٌ لإيصالِ الصَّوت إلى البعيدِ، وإلى مَن لا يسمعُه، هذا هو المقصود، تكبّر الصَّوتَ ليُسمَعَ ولتقريبِهِ لِمَن لا يسمع، هذا هو غايتها، ولكن كثير مِن الناس أساؤوا استعمالها، وذلك إمّا بالمبالغة في كثرة المكبّرات أي السمّاعات، وإمّا بإدخال المؤثِّرات الصَّوتيّة، أو الصَّدى، أو ما يسمّونه بالصَّدى ممّا يحوّل صوت القارئ أو المتحدّث يحوّله عن طبيعته ويغيّره، ويوجب يعني صخبًا أحيانًا، يوجب صخبًا يزعج السَّامعين، فأنت تجد في بعض المساجد يعني مع كثرة السمّاعات يعني إزعاجًا شديدًا ، لأنّ صوت هذا القارئ أو المؤذّن يتحوّل بدل أن يكون بدل أنّه واحد -صوت واحد- يصير عشرة وأكثر، في مكان محجور ومكان محدود ... فينبغي الاقتصادُ، يعني وصيّتي بالاقتصاد، وأقبح مِن هذا مَن يقصد يعني يبالغ في تحسين صوته حتّى يصير يعني ينتهي إلى نوعٍ مِن التَّطريبِ الّذي يشابه ما يكون في الغناء، ومِن المغنيين، وقد سمعت مقطعًا لبعض أولئك يعني لا تكاد تقول إلا إنّه كأنّه يغنّي، وهذا مِن الغلوّ ومِن الغلط الظَّاهر، فينبغي الاقتصاد في استخدام هذه المكبّرات، فلا تتحوّل إلى صخب يزعج المستمعين ولا تتحوّل إلى وسائل تطريب، بل يجب التَّوسُّط والاعتدال، والغلوّ في كلّ شيء مذموم .. اهــ مختصرا.
وسئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: يوجد في بعض المساجد بالإضافة إلى مكبرات الصوت يوجد جهاز يسمى جهاز الصدى، ولكن أئمة المساجد يختلفون في ضبطهم لهذا الجهاز، فبعضهم يزيد في تكرير الحرف من الآية إلى مرتين فأكثر، ويتضح ذلك أكثر في حرفي السين والصاد، وبعضهم الآخر يجعل الجهاز يضخم بدون ترديد، فلا يؤثر هذا على القراءة للقرآن الكريم، فما حكم وضع الصنف الأول الذي يردد بكثرة، وما توجيهاتكم لمن يفعلونه، علما أن الصنف الثاني لا يكون فيه تكرارا للأحرف. وجزاكم الله خيرا؟ فأجاب بقوله:
أما الصنف الأول الذي يكون فيه تكرار الحرف هذا لا يجوز؛ لأنه يؤدي إلى زيادة حروف في كلام الله عز وجل، وأما الثاني الذي ليس فيه إلا تفخيم الصوت، فينظر إن كان هذا أدعى للخشوع، فلا بأس، وإلا فتركه أولى؛ لأن كون الناس يستمعون القرآن بدون واسطة في الغالب أخشع، وإذا اعتاد الإنسان أنه لا يخشع إلا إذا سمع عبر هذا الصوت صار إذا قرأ القرآن وحده لا يحصل له الخشوع، وعلى هذا فتركه أولى في كلا الحالين، لكن الحالة التي تؤدي إلى تكرار الحروف يكون فيها حراما؛ لأنه لا يحل للإنسان أن يزيد في كلام الله ما ليس منه. اهــ.
وفي فتوى أخرى له ــ رحمه الله تعالى ــ قال: أما هذا الصوت الذي يسمى (الصدى)؛ فهو إن كان يلزم منه ترديد الحرف فهو حرام، ولا إشكال فيه لما فيه من الزيادة على القرآن، وإن كان لا يتضمن ذلك، فأنا أيضا أرى منعه. اهــ.
والله أعلم.